لم يعد الأمر يحتمل الاختباء خلف الاصبع, فما تعيشه البلاد ليس زوبعة انتخابات في فنجان المناكفة, بل تعطيل للدولة, فلا مجلس امة يمارس دوره التشريعي بالشكل الصحيح, حتى انه لا ينعقد لتقسم الحكومة أمامه اليمين الدستورية, ولا حكومة قادرة على ممارسة صلاحياتها بالكامل لافتقادها الى الجانب التشريعي, فيما جبهات الصراع السياسي والفتنوي تتناسل كالأورام السرطانية, وشائعات واقاويل ومواقع تواصل اجتماعي تضخ وقود الفتنة الطائفية والقبلية والمناطقية, بين مكونات المجتمع, ولا رادع لها, فكأن اجهزة الدولة تعاني من مرض عضال يصعب الشفاء منه. هل في ظل هكذا وضع يمكن ان يأمن المواطن على نفسه وماله ومصيره ومستقبل اولاده?
ما يجري ليس بريئا ولا هو ردود فعل على احداث عابرة, بل إن يدا خفية تتقن اشعال الحرائق والتخريب تعمل بحرية وتثير كل هذا الدخان الذي يعمي البصائر, وهذه اليد يجب ان تقطع حتى لا تحرق البلد.
اليوم تحل الذكرى المشؤومة للغزو الصدامي لبلادنا, في مثل هذا اليوم قبل 22 سنة كانت حال الكويت السياسية لا تختلف عما تعيشه حاليا إلا في بعض التفاصيل, ألا تستدعي هذه الذكرى ان نتعلم من التجربة القاسية التي عاشها بلدنا? وهل نحن بحاجة الى كل الكراسي النيابية والمناصب, واكبر من الجميع?
الناس اليوم تتطلع الى المراجع العليا لحسم الامر واصلاح الخلل واعادة الهيبة الى الدولة, ليس فقط في تطبيق القانون وقطع دابر إثارة النعرات الطائفية والقبلية وغيرها من النعرات التي ما دخلت دولة الا جعلتها خرابا, انما ايضا في اصلاح الخلل الدستوري الذي بسببه تعطلت البلاد ودفعت تكاليف كبيرة كان يمكن توفيرها وتوظيفها في التنمية.
لا بد من الاقتناع ان المؤسسات الدستورية يجب ان تعمل وفق اسس صحيحة غير قابلة للطعن, لأن امور البلاد لا تسير الا من خلال تلك المؤسسات, اولها السلطة التشريعية, وحتى لا نقع في الفخ مرة اخرى لا بد من الاقتناع بأن اي مجلس ينتخب استنادا الى القانون الحالي المشكوك بدستوريته سيعيدنا الى المربع الاول لأن الالغاء سيكون من نصيبه, والبلد لم يعد يحتمل المزيد من الخسائر, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, وهو ما على الجميع الاقتناع به قبل فوات الاوان حين لا ينفع الندم ولا البكاء على الاطلال, وبخاصة اذا استمر هذا الفلتان بردود الفعل العاطفية يتحكم بسلوك الناس, ويكفي ما حصل اثناء الانتخابات الماضية من اقتحام مكاتب وسائل اعلام الى حرق مقرات انتخابية, وكل هذا كان بسبب كلام فتنوي قاله هذا أو ذاك, ومن رأى نفسه متضررا حاول أخذ حقه بيده.
إذا لم تمارس الدولة دورها الرادع فسيأتي من هو اكبر من جويهل ويتسبب بفتنة اكبر مما حصل, لذلك اذا كانت هناك نية حقيقية لإنهاء كل هذه الفوضى والتسيب فلا بد من قرار حازم من ولي الامر, لأن استمرار الوضع على هذا النحو سيجعل كل أمة تعرف مشربها.
يا ولي الامر شعبك يقول: تعبنا… تعبنا… تعبنا, ويريد ان يرتاح.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق