لم يكن عمري قد اجتاز العاشرة لكن لحسن حظي، كنت شاهدا وأنا طفل على يوم الثاني من أغسطس من 1990 ففي ذلك اليوم تذكرت كتاب الاجتماعيات وكيف كانت صورة خريطة الكويت وبشمالها العراق، حيث كانت «الأبله» تبلغنا عن صيانة الكويت لحسن الجوار وسعيها الدائم لحل المشاكل بين الدول وتصدرها لتوحيد الكلمة والصف العربي والإسلامي، وكنت ممن شاهد لقطات للشهيد فهد الأحمد الصباح وهو ينزل ليوحد بين الفرقاء المنتخب العراقي والمنتخب الإيراني في مباراة نسفت فيها الرياضة ما جرته حرب للسنوات الثماني بين البلدين، وسمعت الشهيد وهو يقول «هنا هنا هنا الملتقى هنا إخوة مسلمون التم شملنا..».
حينما استرجع تلك الأيام وأسردها لمن حولي من صور ومشاهدات، يسألوني كم كان عمرك فأنت كنت صغيرا لم تعي ما جرى؟، لكن في الواقع إن عين الطفل حينما ترى ما حولها فهي تسجل بدقة كل التفاصيل وتحفظ ويصعب محيها، فكيف يريدوني أن أنسى حرماني من وطني وأنا فيه وكيف كانوا يريدون أن أمحو صور الشهداء والرصاصات وأصوات القصف، ولماذا هم مهتمين بأن أنسى مداهمات الجنود للبيوت وملاحقتهم لنا جميعا شبابا وأطفالا ونساء، وبعد أن أنعم الله بنعمة التحرير خرجنا نتنفس الحرية بكينا أياما وكانت السماء تبكي معنا أمطارا سوداء خلفتها حرائق الآبار النفطية، كنا نجوب الشوارع فرحين وكانت أصوات منبهات السيارات تعزف أهازيج الفرح، ذابت حينما مذاهبنا وانتماءاتنا العرقية وظهرت فقط أعلام وطني مرفوعة، كنا نصافح ونقبل الجنود ونرفع علامة النصر.
بعد التحرير، راحت المناهج تهيج ما فينا من ذكرى، فحفظنا أسماء الشهداء وسيرهم الخالدة، وصارت قضيتنا قضية الأسرى والمرتهنين، لكن شيئا فشيئا بدأت ذكرى الثاني من أغسطس تنسحب ولم أكن ادرك ما يجري، إلا حينما صرت معلما لمادة التاريخ فصار تاريخ الثاني من أغسطس ليس سوى صفحتين من فصل كامل يتحدث عن مشكلات الحدود السياسية بين الدول العربية!
الغزو..الاحتلال..الأزمة..الخلاف..الغزو الصدامي، أخشى أن نجبر على ألا نتذكر 2 أغسطس!
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق