الهندي ناير: قدمت للكويت عام 79 وعشقتها كأحد مواطنيها

«عاشق الكويت» قد تكون تلك العبارة البسيطة هي الأنسب والأحب الى قلب آر. كي. ناير الوافد الهندي الذي قدم الى الكويت قبل نحو 38 سنة منذ أن أتى ليعمل بها في العام 1979 والتي لم يغادرها الا في حالتين.. طوعاً.. في اجازاته السنوية أو مهاماته الرسمية.. وقسراً أثناء الغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من شهر أغسطس من العام 1990.. حيث ما لبث ان عاد اليها بعد مرور ايام قلائل على تحريرها من براثن العدوان الغاشم.

هو ناير، هندي الأصل.. نيوزيلندي الجنسية، كويتي الهوى والفؤاد، قال لـ«النهار» في لقاء خاص أجرته معه بمناسبة مرور 21 سنة على ذكرى الاحتلال العراقي للكويت انه يفخر كل الفخر بصداقته الشخصية والمهنية لأكثر من 350 ألف مواطن كويتي من بينهم شيوخ وشيخات من أفراد الأسرة الحاكمة.. دخل بيوتهم.. ودواوينهم.. وأكل وشرب معهم ومع عائلاتهم.. بل واطلع على أدق تفاصيل حياتهم بعد ان بات واحداً منهم.. في حين انه لا يعرف حتى اسم سفير بلاده لدى دولة الكويت.. مشيراً الى انه لم يدخل السفارة الهندية في الكويت سوى مرتين – ربما – طيلة السنوات التي عاشها – ومازال – هنا وكانت آخر مرة قبل 15 سنة!!

ناير، الذي أبدى شديد اندهاشه لتواضع ودماثة وانسانية الشعب الكويتي بصفة عامة.. وأبناء الأسرة الحاكمة بصفة خاصة.. ما جعله يشعر وكأنه يعيش في بلده «الهند» وبين أهله وأبناء جلدته، توقف عند محطات عديدة من قطار ذكرياته على هذه الأرض الطيبة.. دامع العين مرة.. مبتسماً مرات.. متحسراً ومتنهداً حيناً.. ضاحكاً ومستبشراً أحياناً وأحياناً.. أضاء على بعض أهم تلك الذكريات العصيبة على النسيان التي لا تخطئها الذاكرة بعد ان حرص كل الحرص على تضمينها مذكراته بحلوها ومرها وفي مقدمها محنة الغزو العراقي للكويت التي فطرت قلبه ودفعته وهو «الوافد الهندي» لان يخاطب ويناشد أكبر رؤساء وقادة العالم تحرير الكويت.. يتقدمهم الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) ورئيسة وزراء بريطانيا.. مارغريت تاتشر. «عاشق الكويت» ناير الذي قال انه يدين بنجاحاته المهنية والمركز الوظيفي المتقدم الذي يشغله اليوم كمساعد المدير العام والمدير التنفيذي للادارة المصرفية للأفراد في أحد البنوك المحلية الى المغفور له باذن الله العم عبدالعزيز الصقر.. رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت الأسبق.. بعد ان لقنه درساً مهنياً وانسانياً لن ينساه مدى حياته.. اعتبر بعض أهم المواقف في الكويت ومع الكويتيين التي رسمت ملامح حياته المستقبلية.. والتي قال انها لم تستقم أبداً الا في الكويت.. ذلك البلد الرائع الذي احتواه.. واعتبره واحداً من أبنائه بصورة لم يكن يتصورها أو يتوقعها أبداً.. فكان ان حظي بالاحترام والتقدير من الكويتيين أميراً.. وحكومة.. وشعباً.. فإلى التفاصيل:

لن اطرح عليك سؤالاً معيناً كي لا ألزمك ببداية ما وسأترك لك الخيار لتبدأ حديث الذكريات من حيث تريد.

بالرغم من تزاحم الذكريات والمواقف الانسانية والوطنية في ذاكرتي وبالرغم من ان جعبتي تزخر بالمواقف والاحداث العديدة الا اني افضل ان ابدأ بالدرس الذي لقنني اياه المغفور له العم عبدالعزيز الصقر، رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت الاسبق والذي لن انساه ابداً ما حييت والذي اعتبرته بمثابة دستور ومنهاج لحياتي، هو الذي اوصلني لما وصلت اليه من مركز وظيفي متقدم ومكانه اجتماعية مرموقة ما كان لي صدقاً ان ابلغ اياً منها مالم يعطني ذلك العظيم الراحل درساً في الادب والاخلاق واصول المهنة في آن واحد.

فلقد اعتاد العم الصقر رحمه الله وحين كان رئيساً لغرفة تجارة وصناعة الكويت ان يمرني من حين الى اخر في البنك التجاري الكويتي حين كنت اعمل مديراً لفرع احمد الجابر حيث مقر الغرفة القديم قبل الانتقال الى مقرها الدائم الجديد والحالي وذلك لانهاء بعض المعاملات.. واذكر انني كنت اسعد بمجرد ان اراه فاقفز من وراء مكتبي هاشاً باشاً لاستقباله.. ولتقديم واجب الضيافة بنفسي بكل سعادة وسرور وانهي له معاملاته ونحن ندردش معاً.

خطأ فادح

وفي ذات يوم وتحديداً بتاريخ 19/9/1974 وبينما كان جالساً عندي كعادته ونحن نتجاذب اطراف الحديث لحين انهاء معاملاته دخل علينا في مكتبي مراجع اسيوي وكان عاملاً بسيطاً يريد ان اعمل له حوالة بنكية ببعض الروبيات الى بلده الام فكان ان تجاهلته وطلبت منه ان ينتظر دوره عند الكاونتر وتوقعت ان ذلك قد يسعد العم الصقر لانني لم اشأ ان يقاطعنا احد.

ولكن ما حدث هو على العكس من ذلك تماماً اذ إن ردة فعل العم الصقر رحمه الله صعقتني واشعرتني بتفاهتي وبعظم الخطأ الفادح الذي ارتكبته اذ قال لي حينها: هناك كثيرون غيرك يعملون في هذا البنك ولكنني كنت افتقدك شخصياً لاهتمامك بالعملاء والمراجعين ليس إلا وهذا الشخص الذي ترفعت عن خدمته هو عميل للبنك مثلي ومثل غيري وكان يتعين عليك ان تهب لخدمته كما تفعل معي تماماً هذا اولاً.

واضاف العم الصقر: اما الامر الثاني الذي يجب الا يخفى عليك ان هذا المراجع البسيط ملزم بدفع دينار ونصف الدينار لقاء تحويل بعض الروبيات الى بلاده الام وهذا يعني انه قد ساهم شخصياً وعبر هذه العمولة التي دفعها بدفع جزء من راتبك وبالتالي فهو صاحب فضل عليك.

اما ثالثاً والكلام لازال للعم الصقر فأنا اريد ان اسألك هل ان ردة فعلك تجاه هذا العامل الاسيوي البسيط ستكون هي ذاتها يا ترى لو ان الذي قاطعنا كان رجلاً آخر يرتدي دشداشة وبشتاً وعقالاً او مراجعاً يرتدي بدلة انيقة وكرفتة؟ اما كنت ستهب لاستقبالهم والترحيب بهم وانهاء معاملاته بنفسك كما تفعل معي؟!

واردف قائلاً رحمه الله لقد انعم الله ومنَّ عليك بهذا المنصب الذي طالما حلم به وتمناه كثيرون غيرك ولكنه كان من نصيبك وحتى تحافظ عليه يجب ان تخدم جميع المراجعين والعملاء لا ان تتكبر على فقيرهم وضعيفهم، وتنتقي من تستقبل وتخدم من بينهم.. ومن تتجاهل وتنهر فالمناصب تكليف لا تشريف وهي زائلة لا محاله لانها لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك؟.

قرآن كريم

وحينها طأطأت رأسي خجلاً.. وتمنيت لو ان الارض تنشق لتبتلعني لانني لم اعد قادراً ان ارفع نظري بوجه هذا الانسان العظيم ولكنني تمالكت نفسي لدقائق ثم قمت من فوري الى حيث ينتظر العامل الاسيوي المسكين دوره فعانقته واعتذرت منه راجياً منه ان يقبل اعتذاري ويسامحني وانجزت له معاملته بالكامل بنفسي من الفها الى يائها بينما كان يحتسي الشاي والقهوة.

ومنذ ذلك الحين اي منذ 19/9/1974 وحتى يومنا هذا واظبت وعلى امتداد 38 سنة ومازلت وسأبقى باذن الله اسير على ذات النهج فاحترم كل العملاء واهتم بصغيرهم وكبيرهم على حد سواء بعد ذلك الدرس القاسي الذي لقنني اياه مخلصاً العم الصقر وكان بمثابة الدرس بالنسبة لي لم أحِد عنه ابداً لانه بنظري لا يتحمل التأويل او الخطأ.

درس قاس

واذكر جيداً انني حين عدت الى بيتي ذلك اليوم كان اول شيء فعلته هو انني وثقت هذه الحادثه وضمنتها مذكراتي ووضعت تحت تاريخ 19/9/1974 اكثر من خط فهذا اليوم كان يوم ولادة انطلاقتي الحقيقية نحو الانجاز والنجاح ليس على صعيد العمل والوظيفة ولكن على الصعيد الانساني والاجتماعي اذ ان لحسن اسلوبي والتعامل الراقي كان السبب الرئيسي ولربما الاول وراء شبكة العلاقات والصداقات المتينة التي بنيتها منذ ذلك الحين وحتى اليوم ولعلي لا ابالغ لو قلت ان الدرس القاسي او الدرس الصفعة التي وجهها الصقر الي دون مجاملة او محاباة هي الاستراتيجية التسويقية التي بنيت عليها نجاحاتي الوظيفية على امتداد نحو 4 عقود.

ولعل ما اثلج صدري هو ردة فعل العم الصقر الذي قال لي انا فخور بك الان مرتين لا مرة واحدة الاولى لانك تقبلت الانتقاد ورفعت عنى وزره.. والثانية لانك بادرت الى تصحيح خطأك فعاملت الرجل بما يستحق وبالصورة التي يتعيين عليك القيام بها!، ومنذ ذلك الحين اصبحت أنا والصقر صديقين، وغدوت واحدا من رواد ديوانه العامر بالشامية الذي كنت ارتاده كل حين.

سر العظمة

ألم تشعر بحرج باعتبارك «الهندي» الوحيد الذي يرتاد ديوان بحجم ديوان الصقر حيث نخبة المجتمع؟

على الاطلاق، وهذا هو سر عظمة هذا الشعب الذي لم يشعرني ابدا انني وافد وهندي الجنسية، او انني اقل منهم مالا وجاها، بل قد يدهشك لو علمت انني ارتدت معظم دواوين الكويت من «ام الهيمان» وحتى الجهراء وتعرفت على اهم الشخصيات واكثر العائلات عراقة، واشرفهم حسبا ونسبا، وكانوا يعاملونني وكأنني واحد منهم، فاحترموني وقدروني واشعروني باهميتي وبانسانيتي اكثر من اهلي وابناء بلدي انفسهم ولا اخفيك سرا لو قلت انني تأثرت بالكثير منهم بل وارتبطت واسرتي الصغيرة بعلاقات صداقة مع عائلاتهم دام بعضها حتى الممات، ومن بين الشخصيات التي اعتز بصداقتها كثيرا الشيخ فهد الاحمد، ووزير الدفاع السابق الشيخ علي السالم الصباح، ووكيل الوزارة السابق عبدالرزاق يوسف الحجي، وجاسم البحر «ابوطلال» والوزير الاسبق عبدالعزيز حسين، ومدير الصندوق العربي للانماء الاجتماعي عبداللطيف الحمد، وحمد الحمد وصلاح فهد المرزوق وغيرهم كثيرون رحم الله الاموات منهم واطال عمر الاحياء بإذنه.

نورة العذبي

ولكن ومن بين اهم تلك الصداقات المميزة التي لن انساها ابدا ما دمت على قيد الحياة ولا اظن انها قد تتكرر في حياتي، هو صداقتي العائلية مع الشيخة نورة ناصر العذبي الصباح -تغمدهما الله بواسع رحمته- التي رأيتها وتعرفت عليها أول مرة في العام 1982 وكانت قد تخرجت لتوها من جامعة الكويت والتحقت بأول وظيفة لها في «الديوان الأميري» فجاءت الى فرع البنك التجاري في مجمع الصالحية وكنت اشغل حينها منصب «مساعد مدير الفرع» وتفتح حسابا جديدا لتحويل راتبها اليه، فكان ان انجزت لها كامل معاملتها بنفسي لتستمر صداقتنا من ذلك الحين وحتى العام 2005 حين توفاها الله في اميركا، حيث كانت تعالج من مرض عضال، ولا يمكن ان اصف لك كم كان حزني وحزن اسرتي عليها كبيرا بعد ان باتت جزءا منا ومن حياتنا.

ناير الصباح

ان صداقتي مع هذه السيدة الكريمة لم تنقطع ابدا حتى انها اصرت على حضوري واسرتي لحفل زفافها من الشيخ محمد جراح الصباح رئيس مجلس ادارة بنك الكويت الدولي حاليا، وكانت المرة الاولى التي التقيه فيها، ثم توالت الزيارات فكانت تصر على دعوتي واسرتي الى مقرها العامر كل اسبوع، بل وتحرص كل الحرص ان تعد لنا الاطباق الهندية التي نحبها.

بل ان المرحومة الشيخة نورة ناصر العذبي الصباح كانت اول من وقف بجانبي وساعدني في انهاء اجراءات هجرتي وعائلتي الى نيوزيلندا للحصول على الجنسية، والحت عليّ ان ازودها برقم هاتفي وعنواني بمجرد وصولي الى هناك، ثم اصرت بعد ذلك ان ازودها برقم حسابي، فكنت ارفض ذلك وكنت اقول لها: لو كان عندي اخت لما فعلت لي ما فعلت ولما قدمت لي ما قدمت، فكانت تعلق -رحمها الله- على كلامي هذا ضاحكة بقولها: خلاص انا اختك فلماذا تريد اختاً ثانية كل ما هو مطلوب منك ان تغير اسمك الى «ناير ناصر العذبي الصباح!».

رحمها الله كانت تفيض حبا وانسانية وخلقا وعطاء وكرما وماذا عساي بعد ان اقول؟ يكفي ان اقول لك انها لم تتركنا يوما واحدا وكأنني واسرتي كنا مسؤولين منها، وكانت تحرص على زيارتنا في نيوزيلندا متى كانت خارج الكويت وتحرص كل الحرص على ان تبتاع لنا اجمل واثمن الهدايا والتذكارات فكل التحف والانتيكات واللوحات والتذكارات التي تزين جدران واركان المنزل في نيوزيلندا -حيث تعيش اسرتي الصغيرة- هي كلها من احضرتها بلا استثناء.

الخبر الفاجعة

صدقيني لو قلت لك انني لم ابك عزيزا في حياتي -ولا حتى من اهلي- كما بكيت الشيخة نورة حين ابلغني شقيقها الشيخ احمد العذبي -الذي طالما حملته على كتفي وداعبته ولاعبته طفلا صغيرا- ذاك الخبر الفاجعة الذي هز كياني، وفقدت على اثره وعيّ تماما، فالفقيدة خرجت من عندي من البنك حيث كانت تنجز بعض المعاملات الى المطار مباشرة الى اميركا في رحلة علاج، وودعتني باسمة على امل اللقاء من جديد ولكنها ذهبت -رحمها الله- ولم تعد، فكانت تلك لحظة من اصعب لحظات حياتي لا تقل مرارة وألماً عن محنة الغزو العراقي الآثم للبلاد، واذكر ان اول شيء فعلته حين عدت للكويت هو زيارة قبر الشيخة نورة تغمدها الله بواسع رحمته.

الغزو المشؤوم

وماذا في جعبتك عن الغزو العراقي للبلاد؟

كان غزواً مشؤوماً فرق بيني وبين احبتي في الكويت اصدقاء واخوة وعملاء شردهم في أصقاع العالم وباتوا بلا ارض ولا وطن بين عشية وضحاها.. وهو ذات الشعور الذي انتابني لانني كنت اشعر بالفعل انني واحد منهم.. لذلك لم اغادر الكويت كما فعل ابناء جلدي.. وغيرهم.. بل حاولت قدر الامكان ان اساعد اصدقائي وعملائي بصورة او بأخرى من خلال استمراري في العمل بالبنك لتأمين السيولة اللازمة لهم اما للسفر للخارج او لتسيير امور حياتهم المعيشية.. فكنت اسحب لهم المبالغ المالية التي يريدونها او يحتاجونها واسلمها لهم مقابل شيكات مؤجلة الدفع بعد ان الزمنا نظام الاحتلال عدم صرف اي مبالغ لاي كويتي تزيد عن 200 دينار كويتي، وقد اودعت تلك الشيكات في البنك ولله الحمد بعد تحرير البلاد.

جسد في جبس

أنت من «الصامديين» إذن؟!

تمنيت ان اكون كذلك.. ولكنني اضطررت لمغادرة البلاد بعد مضي شهريين على الاحتلال الآثم لسبيبن اساسيين: اولهما لاستكمال علاج ابنتي في الخارج بعد تدهور مستوى الخدمات الصحية والطبية المقدمة بالكويت جراء الغزو.. وثانيهما ان القوات العراقية قد احكمت رقابتها على «إدارتي» في ميدان حولي حيث مقرهم في ثانوية عبدالله السالم وكنت حينها آاوي بعض المقاومين الشرفاء.

فآثرت الرحيل مرغماً قبل ان يكتشفوا امرنا ويحدث ما لا تحمد عقباه.. وهذا ما كان.. حيث غادرت براً الى الاردن ومنها جواً الى الهند ونصف جسد ابنتي التي كانت تعالج في مستشفى الرازي من الكسور في الجبس.

غصة وطعنة

نعم.. لقد غادرت الكويت ولكن كان في حلقي غصة وفي قلبي طعنة ليس بسبب الغزو الهمجي الذي فتك بالعباد.. واحرق البلاد وأتى على الاخضر واليابس فيها فحسب.. ولكن لأنني لم اتمكن من النزول عند رغبة زميلتي في البنك التجاري حينها «مي المضف» وشقيقتها نادية بالبقاء بجوارهما لوجود كل افراد العائلة في الخارج.. وذلك للأسباب الانفة فشعرت وكأنني خذلتهما الا ان عزائي الوحيد انني حاولت تعويض هذا القصور «القسري» بمساعدة اصدقائي الكويتيين بالخارج لانني اتصلت بالعديد منهم.. وطمأنتهم عن اوضاع ذويهم واقربائهم.. كما سلمت العديد من الرسائل للبعض الاخر من ذويهم بالكويت في حين ارسلت رسائل لاخرين بالبريد ارسلها ابناؤهم لهم معي… وهلم جرا.

كتب مناشدة

اما من جانبي فقد زرت سفير الكويت في الهند آنذاك علي زكريا الانصاري وشرحت حقيقة ما يجري بالداخل.. كما راسلت سفراء الكويت في كل من «لندن» وواشنطن لذات الغرض.. وتوجت ذلك بارسال رسائل الى سمو امير البلاد الشيخ جابر الاحمد – رحمه الله- وثانية لولي العهد.. وثالثة لوزير المالية الاسبق الشيخ علي الخليفة الصباح.. واتبعت ذلك بكتب مناشدة الى كل من الرئيس الاميركي، جورج بوش «الاب» ورئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر ورئيس وزراء الهند والرئيس الروسي غورباتشوف، مندداً ومستنكراً ذلك الغزو الهمجي.. داعياً الى ضرورة الوقوف الى جانب الحق ونصرة الشعب الكويتي والشرعية الكويتية تحت راية آل الصباح الكرام.. وذلك بخلاف المسيرات التي كنا ننظمها في الهند والمقالات التي كنا نكتبها لشرح معاناة الكويتيين والمطالبة بنصرتهم.

إنجاز تاريخي

كم سعدت حين تلقيت ردوداً على بعض رسائلي تلك كان من أهمها كتاب الشكر الذي تلقيته من ديوان سمو الامير من مقر الحكومة المؤقتة بالطائف على موقفي الداعم هذا.. وقد لا تسعفني الكلمات لكي أعبر لك عن مقدار سعادتي حين قطع التلفزيون الهندي برامجه ليزف لنا في بث مباشر نبأ تحرير الكويت، وسرعان ما اكتظت الساحات والميادين بالمهللين والمكبرين رافعين اعلام الكويت المحررة، واذكر حينها انني قد ابرقت من فوري مهنئاً اكثر من 500 صديق من اصدقائي الكويتيين المقربين بهذا الانجاز التاريخي العظيم.

هل مازلت على حماسك وحبك للكويت بذات القدر؟

بل اكثر.. ولكن للاسف البعض يعتقد أنني اجامل او اتملق او ان لي مآرب اخرى من وراء ذلك.. وهذا بكل اسف غير صحيح ولعلي اجزم بان احدا لا يمكن ان يفسر حقيقة وسر حبي لهذا البلد بالصورة التي احبه انا فيها.. فالبعض يستكثرون على وافد هندي مثلي عامله أبناء العائلة الحاكمة قبل غيرهم بكل التقدير والاحترام والانسانية والأخلاق ان يحب هذه الارض ويدين لها ولهم بالولاء.. ولا ادري لماذا؟ فهل هذا كثير على آل الصباح؟!

سخرية واستخفاف

أنني اذكر كيف ان الدهشة انتابت زملائي في العمل حين اردت ذات مرة ان ارسل سلة زهور لسمو الأمير الشيخ صباح الاحمد في العام 2006 مهنئاً سموه بتولي مقاليد الحكم بالبلاد خلفاً لسمو الامير الراحل جابر الاحمد – رحمه الله- ولم يصدقوا انني سأفعل ذلك معتبرين ان الامر مجرد مزحة او «غشمرة» الا بعد ان رأوا بأم العين السلة التي اوصيت عليها واوصلها محل الزهور الى حيث اعمل.. وحينها قرأت في اعينهم وفي تصرفاتهم وهمزهم ولمزهم الكثير من عبارات الاستخفاف ان لم يكن السخرية.. لانهم لربما رأوا في تصرفي هذا نوع من التملق او مسح الجوخ» ولكنني لم أعبء بكل ما سمعت ولمست ورأيت وارسلت سلة الزهور التي تليق بمثل تلك المناسبة الى الديوان الاميري مع بطاقة معايدة وبطاقة التعريف «Visit Card» وكم كانت سعادتي كبيرة حين اتصل بي ديوان سموه بعد اقل من اسبوع شاكراً لي هذه اللفتة.

مؤكداً ترحيب سمو الأمير بمبادرتي تلك واعتبار سموه بأنني مواطن وفي بلدي الثاني الكويت لا لشيء، ولكن لمجرد انني فكرت بمثل تلك الطريقة لأعبر عن حقيقة مشاعري تجاه تلك المناسبة المهمة، وللامانة فإن اتصال ديوان سمو الامير بي لا يقدر بحق بملايين الدنانير.

تكريم أميري

وللعلم.. لم تكن تلك المرة الاولى التي احظى فيها بمثل هذا التكريم «الاميري السامي» فقد سبق وان دعاني الديوان الاميري لحضور الاحتفالية التي اقامها سمو الامير في فندق الشيراتون لتكريم اسر وعائلات قوات التحالف الذين قضوا في حرب تحرير الكويت.. وهذه الدعوة لم اتوقعها ابدا.. واعتقد انها جاءت كنوع من التكريم لي بعد اشادة العديد من المواطنين الكويتيين رجالا ونساء بمواقفي معهم ومع الكويت والشعب الكويتي اثناء محنة الغزو العراقي الغاشم، وهذا التكريم وسام على صدري ما حييت!

على هامش اللقاء

لبست الدشداشة.. ودخلت كل دواوين الكويتيين من «ام الهيمان» وحتى «الجهراء» وتربعت على الارض واكلت معهم الأكلات الشعبية بيدي دون ملعقة او شوكة او سكين.. وتشبعت بعاداتهم وتقاليدهم

تلقيت هدايا ثمينة عديدة.. واغلى هدية قدمت لي كانت عبارة عن ساعة يد «ماركة عالمية» قدمها لي الصديق محمد مصطفى كرم.. وسعرها يفوق 2500 دينار كويتي.

بكيت بحرقة شديدة ثلاث مرات: عند الغزو العراقي للكويت.. وعند وفاة الصديق الوالد عبدالعزيز الصقر -رحمه الله- وعند وفاة الشيخة الفاضلة نورة ناصر العذبي الصباح – رحمها الله- التي كانت بالفعل بمنزلة «الاخت» التي لم تلدها أمي.

تعلمت اللغة العربية في مركز خدمة المجتمع بجامعة الكويت بعد ان تبرع الدكتور شعيب عبدالله شعيب الاستاذ بالجامعة بكورس مجاني لمدة «6» شهور وكان عميلا من عملائي المميزيين بالبنك التجاري.

انت لست اقل من غيرك.. والاخرون ليسوا بافضل منك.. احترمهم يحترموك.. على هذا «تربيت ونشأت»

وقال أيضا

نعم.. لقد شرفني بعض أبناء الاسرة الحاكمة الافاضل حين عرضوا عليّ الحصول على الجنسية الكويتية.. ولكنه كان من الصعب علي التنازل مجددا عن الجنسية «النيوزيلندية» التي حصلت عليها اخيرا واضطررت الى التنازل عن جنسيتي الهندية «الام» مقابل ذلك.

المرة الوحيدة -او ربما الثانية- التي دخلت فيها سفارة بلادي الهند بالكويت كانت حين طلب مني نائب رئيس مجلس الوزراء الوزير الاسبق عبدالعزيز حسين -رحمه الله- مرافقته ليعزي بوفاة رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي.

دربت خلال عملي في الكويت لنحو «4» عقود اكثر من 500 موظف وموظفة يتقلدون اليوم ارفع المناصب في القطاعين الحكومي والخاص.

أسعد لحظات حياتي كانت حين زف لي الشيخ نايف مالك الصباح من ألمانيا نبأ تحرير الكويت في 26/2/1991 وبعد ساعة واحدة فقط من التحرير ولاسيما بعد ان أكد لي ان مكالمته لي هي أول مكالمة يجريها بعد هذا الحدث السار.. ولا يمكن ان تتصوري كم اسعدني هذا الاتصال لانه تذكرني قبل اقرب الناس اليه.

350 ألف صديق وصديقة

أعرب ناير عن بالغ سعادته وفخره لاتساع شبكة علاقاته وصداقاته بالكويت التي قال ان عددها بلغ 350 الف صديق يشكلون في معظمهم عملاء للبنك.. وقال مندهشا: هل تصدقين انني اعرف كل هؤلاء الكويتيين وادخل دواوينهم وبيوت بعضهم في حين انني لا اعرف حتى اسم السفير الهندي في سفارة بلادي «الهند» بالكويت.. والتي لم ادخلها سوى مرة واحدة او ربما مرتين في حياتي كان اخرها قبل 25 عاما؟!

قائمة تحتاج مجلدات

قال ناير ان من بين الصداقات التي يعتز بها وأثرت كثيراً في حياته هي صداقته لكل من نادر سلطان العيسى، هاني عبدالعزيز حسين، سامي الرشيد، كامل الحرمي، محمد عبدالوهاب من شركة نفط الخليج، سراج البكر، براك الأستاذ، عبدالعزيز الوقيان، غازي، وعبدالوهاب وصلاح وفوزي النفيسي، إبراهيم الذربان وبهجت المتروك، علي الموسى، مبارك فهد الجري، سلمان الدبوس، محمد البرجس، برجس البرجس، عيسى المطر، محمد مصطفى كرم، عبدالعزيز الطيار، عبدالله حمد الرومي، ناصر العجيل، يوسف عيسى المطر، غانم الميع، ناصر العسعوسي، عبدالرحمن العلي، محمد الخزام، عبدالله القبندي، والشيخ علي عبدالله السالم ود. هلال الساير ود. شعيب عبدالله شعيب… وهنا استوقفت «النهار» ضيفها «ناير» فتعداد أسماء أكثر من ربع مليون شخص يعتز بمعرفته وصداقته يحتاج مجلدات!!

حبشي استقدمني.. والعبيد وظفني

قدّر «ناير» عالياً موقف كل من التاجر الكويتي علي عبدالله الحبشي – صاحب شركة ومحلات «حبشي وشلهوب» الذي اتصل به في الهند فور التحرير وطلب منه صورة عن جواز سفره ليعمل له مجدداً تأشيرة دخول للكويت (فيزا)، والتي قال انها كانت ثاني مكالمة يتلقاها بعد اعلان تحرير الكويت مباشرة بعد المكالمة الأولى التي وصلته من الشيخ نايف مالك الصباح.. كما قدر وثمن عالياً في الوقت ذاته موقف القيادي في البنك التجاري الكويتي يوسف جاسم العبيد الذي أعاده لعمله ولمنصبه السابق في البنك كمدير لفرع الصالحية.. رغم ان حضوره للكويت كان عبر «شركة حبشي وشلهوب».
المصدر “النهار”

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.