أول العمود: هل من المنطق أن يتم اختزال الأزمة السياسية التي تعانيها الكويت بسبب ضعف حكوماتها المتتالية في مسألة الدوائر الانتخابية؟
***
لن أتحدث عن التبرع الكريم الذي قدمه الشيخ سالم العلي منذ أيام إلى عدد من الشرائح الاجتماعية، لأنه أشبع مداولات وتبايناً في الآراء. لكنه ألهمني أفكاراً عديدة حول ما يجري بشأن «المال الأهلي» في المجتمع الكويتي، والذي كان في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي أكثر انضباطاً ووضوحاً في الهدف ودقة في التنفيذ كما حدث عند بناء المدارس ودور الأيتام آنذاك.
التبرعات المالية الأهلية في الكويت ومنذ 3 عقود من الزمن لم تجد وعاء تنظيمياً يدير بجدارة التدفقات المالية الكبيرة الناتجة عن الروح الإيجابية التي يتمتع بها الكويتيون، وهنا أستثني بالطبع ما يطلق عليه «العمل الخيري» القائم على جهود الجمعيات الدينية كجمعية الإصلاح الاجتماعي والتراث وعبدالله النوري الخيرية وغيرها، فأنا أقصد هنا جهود «العمل التنموي المدني» القائم على فهم دقيق للطبيعة المدنية للمجتمع الكويتي.
نحن في الكويت لم نؤسس إلى اليوم جهة أكاديمية لتدريس علوم التنمية البشرية في جانبها الأهلي رغم انغماس المجتمع الكويتي منذ تأسيسه في مسألة التطوع والتبرع، بل يعاني هذا الجانب في يومنا هذا عدة أمراض ومشاكل، منها عدم وضوح الرؤية لكثير من متصدري العمل التطوعي المدني، والعمل المستند على المشاعر لا التخطيط، واختلاط الطموح السياسي بخدمة المجتمع، وقلة الاطلاع على تجارب الدول الأخرى في هذا المجال كالتجربة البريطانية العريقة.
في الكويت أموال «أهلية» طائلة تقدر تدفقاتها بعشرات الملايين سنوياً كما كشفت عن ذلك مجلة «فوربس الشرق الأوسط» في حفل أقيم في يوليو 2012 في دبي، حيث أعلنت مصروفات عدد من الجمعيات الخيرية الدينية في الكويت ودول أخرى. هذه التبرعات الكبيرة تذهب إلى ما هو موجود من جمعيات خيرية لها اهتمامات لم تشمل قطاعي التعليم والصحة المتدهورين، لذا فإن كان من عمل جدي يجدر القيام به لاستثمار الحس الخيري لدى الكويتيين فهو في تدشين كلية علمية لتدريس هذين العلمين اللذين بات كل منهما فرعاً مستقلاً يدرس في الدول المتحضرة لتخريج متخصصين قادرين على فهم أوسع لاحتياجات المجتمع الصحية والتعليمية، وإنشاء هيئة عليا للعمل الخيري المدني تتصل بهموم الشباب وتعمل على سد الخلل الذي يأتي من ضعف أداء الوزارات كالصحة والتعليم تحديداً.
يجب تغيير مفهوم المتبرعين للعمل الخيري ليصل إلى حث الميسورين على تمويل برامج تهدف إلى تغيير نظرة الشباب تجاه المال الذي يكسبونه، وفيم ينفقونه، وتكوين ثقافة عامة حول أصول العمل التطوعي وأثره في تمدين المجتمع وتطويره ليلبي الحاجات المختلفة لسكانه، وليس فقط ما يتصل منها بالجوانب الدينية العاطفية.
نرجو ألا نكرر مأساة كوننا في بلد نفطي ولا نملك جامعة للبترول، وبلد بحري لا يملك كلية لعلوم البحار، وبلد ناشط في التطوع والتبرع ولا يملك كلية تؤسس الشباب للقيام باستثمار ملايين الدنانير في حل مشاكل المجتمع الملحة، فالمتبرعون لا يلامون على من يتبرعون لهم ولأي جهة يقصدون، لأن المشكلة في عدم وجود هيئة متخصصة في التنمية الخيرية المدنية ذات خبرة في التخطيط، وكشف معاناة الناس اليومية الحقيقية ومحاولة التغلب عليها.
وأخيراً ومن باب التندر نقول إنه رغم كل أموال التبرع الأهلي الكويتي السخي التي يعلن عنها، لم يفكر أحد منا في تأسيس جامعة أهلية واحدة متخصصة في علوم تحتاج إليها بيئة العمل الكويتية… أليست هذه مشكلة في حاجة إلى حل؟
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق