نختلف مع نزعة البعض للاصطفاف القبلي، والتحرك ضمن إطار القبيلة، وتمييز الناس على هذا الأساس، والفزعة تحت هذا المسمى، بل نرى تلك السلوكيات أحد معوّلات هدم مفهوم المواطنة كأساس للتعايش بين أهل الكويت بمختلف أطيافهم، وتنوع مذاهبهم، وتعدد أصولهم وأعراقهم، ونختلف أيضا مع دعاة الانتخابات الفرعية، أو ما سموها لاحقاً بالتشاوريات، أو أي مسميات أخرى تجمع شريحة من أي قبيلة كانت، دون غيرها، على أسس تتعلق برابط الدم أو العرق أو الأصل، وذلك لكونها تعطي امتيازاً معينا لفئة على حساب الأخرى، لكننا نستنكر ونشجب ونمتعض ممن يستغل تلك النزعة، فيمارس سلوكا فيه ازدراء أو استهداف للمواطنين المنتمين لأي قبيلة في بلدنا، ليس فقط لأن القبائل هي جزء أساس وأصيل من ماضي الكويت وحاضرها، بل وأيضا لأن أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وفطرتنا المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف تحتم علينا احترام بعضنا البعض مهما اختلفنا في أصولنا أو أعراقنا.
ونختلف مع نزعة البعض في الاصطفاف الطائفي، والتقوقع في لباس ضيق، وقالب مختلف معياره الانتماء لمذهب ما، بل ونختلف أيضا مع من يميز المواطنين – سنّة كانوا أو شيعة – على هذا الأساس، وخصوصا بعد أن انتشرت الفتنة الطائفية بصورة علنية في بعض دول المنطقة كسلاح يفرّق بين أهل الوطن الواحد، وبصورة غير مباشرة في بلادنا من خلال التجاذبات السلبية لبعض السياسيين وغيرهم، على أسس طائفية وانعكاسها السلبي من خلال اصطفافات انتخابية لا معيار لها سوى التفرقة المذهبية، مع الأسف الشديد.
ولكننا في الوقت نفسه نرفض رفضاً باتاً أي شخص أو مجموعة تستغل هذا التشاحن السلبي، لتنال من عقائد هذا المذهب أو ذاك، بل الشجب كل الشجب، والاستنكار كله لمن تسول له نفسه العبث بمقدسات المواطنين ومعتقداتهم.
وما يؤسف اليوم أن هناك من يسعى جاهداً في النور قبل الظلام إلى الضرب على وتر الازدراء لقبيلة كريمة هنا أو طائفة عزيزة هناك، دون الاكتراث بما يلحقه هذا السلوك من آثار غاية في السلبية على السلم الأهلي، والتماسك الاجتماعي، ومبدأ الوحدة الوطنية، التي علينا جميعا تجسيدها في ذاتنا قبل غرسها في النشء من أجيالنا القادمة. فلا نقبل اليوم أن يبرز «معتوه» لينال من أحبتنا وإخواننا من أبناء قبيلة مطير الأصيلة أو أي قبيلة أخرى، بل نطالب الحكومة بأن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في وقف هذا العبث الخطير في النسيج الاجتماعي الكويتي، كما لا نقبل أيضاً أن يخرج «معتوه» آخر لينال من مقدسات أو معتقدات أهلنا وأحبتنا من أتباع المذهب الشيعي، ولا بد على الحكومة أن تتصدى بكل ما تملك من قدرة لمعاقبة تلك الحالات الشاذة، وتلقينها درساً وعبرة.
لذا نضع الكرة كاملة في ملعب الحكومة، التي عليها أولاً عدم الاستهانة بأصول المواطنين وانتماءاتهم ومعتقداتهم، ولا بد أن تكون الحكومة قوية، قادرة، متمكنة من حماية النسيج الكويتي، لأنه -مع الأسف الشديد- لا يمكن أن تظهر تلك الأصوات النشاز في المجتمع لولا ضعف الحكومة وهوانها وعدم اقتدارها.
إنه ناقوس الخطر الذي إن لم تستيقظ الحكومة من سباتها، وتعمل جاهدة لإيقافه بحزم وحسم، فإنها سوف تجر على المجتمع والدولة بلاءً عظيما، لا يعلم إلا الله تعالى نتائجه على الكويت ومستقبل أبنائها.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق