صالح الغنام: ترف اللجان الخيرية

يشهد الله تعالى, إن يدي تقدم حرفاً وتؤخر حرفاً وأنا أكتب هذه المقالة, فأسوأ ما أخشاه, أن يقرأ مقالتي قليل عقل فيتهمني بأنني مناع خير, أو يصنفني كمعاد للعمل الخيري. عموما, سأكتب وأمري لله, فمنذ أشهر, لفت انتباهي وجود مبنى ضخم – قيد الإنشاء – يقع في منطقة الصباح الصحية, وللوهلة الأولى, ظننت أن المبنى المهيب عبارة عن “مول تجاري”! ولا تلوموني على سذاجة ظني, فالتصميم الخارجي للمبنى المكون من أربعة أدوار, والممتد على مساحة شاسعة من الأرض يوحي بذلك, رغم أن المنطق لا يقبل بوجود “مول تجاري” في منطقة تعج بالمستشفيات والمرافق الطبية. المهم, بعد مدة, وأثناء مروري المتكرر في الشارع نفسه, لمحت لوحة كبيرة مكتوبا عليها تفاصيل المشروع, فدفعني الفضول للتوقف ومعرفة سر هذا المبنى الغامض. فصدمت, لا والله بل ذهلت, حين اكتشفت ان هذا المبنى الضخم الذي تبلغ كلفة إنشائه 2.150 مليون دينار ما هو إلا مقر لجمعية صندوق إعانة المرضى!
الله أكبر, مليونان ومئة وخمسون ألف دينار لبناء مقر لجنة خيرية مهمتها جمع التبرعات. ما هذا الترف? ما هذا البذخ? ما هذا الإسراف? هكذا قلت في نفسي, وزدت متسائلا: إن كانت هذه كلفة إنشاء مبنى من إسمنت وحديد, فكم ستبلغ كلفة الديكورات والأثاث والصيانة? بيني وبينكم, “ما خليتها بقلبي” فبحثت عن موقع صندوق إعانة المرضى الإلكتروني, وفي نفسي غاية, أن أكتشف سر حاجة جمعية خيرية لهذا المبنى العملاق, فاكتشفت أن عدد لجان الجمعية يبلغ 7 لجان, وأن عدد أعضاء مجلس الإدارة 7 أيضا – وهم من خيرة الناس – وقد تمخضت اجتماعاتهم طوال العام 2011 عن أربعة بنود هي: “متابعة ملف الاختلاس. متابعة التعاون مع بيت الزكاة. متابعة بناء المقر الرئيسي. متابعة اللجان”, تخيلوا, سنة طويلة عريضة تمثلت إنجازات مجلس الإدارة فيها بمتابعة أربعة مواضيع!
انتبهوا, وحتى لا يداخلكم الشك في مقصدي, فلا أنا ولا غيري ينكر الدور العظيم الذي يقوم به صندوق رعاية المرضى, ولكن حديثنا ينصب على البذخ والمبالغة بإنشاء مبنى بهذه الأبهة والفخامة, فمعظم الجهات الخيرية, تستأجر شققاً أو فيلات لممارسة أنشطتها, ثم أنه وحتى وإن تذرع القيمون على صندوق رعاية المرضى بأنشطتهم المتعددة, فهذا لا يبيح لهم بعثرة أموال المتبرعين على الرفاهية والترف, فمتعة العمل الخيري بالجهاد والصبر وتحمل المشقة, ولا أظنه بخافٍ على الجميع نمط التقشف الذي كان يعيشه فضيلة الدكتور عبدالرحمن السميط – شفاه الله – ومع ذلك حقق إنجازات لم يسبقه إليها أحد ختاما, أظن والله أعلم, أن ولع النفس وشهوتها وجنوحها للراحة والترف والأبهة والفخامة, هي ما سهل مأمورية المحاسب الوافد كي يختلس ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف دينار من أموال صندوق إعانة المرضى من دون أن يشعر به أحد!

****
إحدى لجان التبرعات المتخصصة متعاقدة مع شركة يمتلكها أحد أعضاء الأغلبية المخلوعة لتزويدها بالوجبات الغذائية… الستر زين, فلا تجبروني على ما أكره!
salehpen@hotmail.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.