ضيف غير عادي رافقنا في الاجواء الرمضانية هذا العام، وتربع في قلوب الساهرين، نجاح بطله الفن الهادف، انه مسلسل ساهر الليل 3، الذي يتابعه الجمهور بشغف ويستعيد من خلاله صفحات من حياة الكويت الخالدة.
هذا الجزء من المسلسل يتناول فترة الغزو العراقي الغاشم، ويحاول سبر اغوار الاحداث المتلاحقة بأسلوبه القريب من الواقع، ومع الحرص على متطلبات العمل الدرامي في آن معا. ببساطة كلية نقول ان مناخات التلاحم الوطني والتعاضد وحب الكويت والتضحية في سبيلها، هذه المناخات التي تتجلى في حلقات المسلسل، تكاد تكون هي النقيض لما نجده الان من إشاعة للتفرقة، ومن تغليب المصالح الشخصية على المصلحة الوطنية العليا.
المسلسل يعرض فترة الغزو البعثي، وكيف تفاعل معها الصامدون في الداخل، واقاربهم وابناء وطنهم الموجودون في الخارج، او الذين كانوا يحاولون اداء دورهم في المقاومة والمواجهة مع المحتل، وكيف ان الخلافات الداخلية تذوب وتتلاشى امام المهمة الصعبة: تحرير الكويت مهما كان حجم التضحيات.
وكان لافتا ان الجيل الذي عاش تلك المرحلة يتابع الان المسلسل، وكأنه تعبير عن احداث لم تفارق وجدانه في اي وقت، فهم الاكثر تفاعلا مع احداثه، يتذكرون الوقائع مع مشاركة وجدانية وكأنها تحدث الان امام اعينهم.. اما الجيل الذي اعقبه، وايضا الجيل الجديد، فإنهم يحرصون على المشاهدة، ويسألون عن خلفية هذا الحادث، او سبب هذا الموقف، او تلك اللحظات التاريخية.
بالطبع، فإن المسلسل لا يمكنه ان يحيط بكل تفاصيل الاحداث المتلاحقة، ولكن، بمجرد ان يدقق في المجريات ويتتبع خطى صانعي الحدث، يوثق مرحلة مهمة للكويت واهلها، فهذا بحد ذاته خدمة وطنية تعكس حسا عاليا بالمسؤولية، وهو ما يدعونا الى توجيه الشكر الى المؤلف والمخرج وجميع القائمين عليه والمشاركين في هذا العمل الدرامي الوطني.
من البديهي القول، في ضوء المناخات التي يوفرها المسلسل، ان اي حديث عن الغزو هو حديث عن صور الانصهار الوطني والالتفاف حول القيادة الشرعية، انها المشاعر الوطنية التي تحركها مسيرة الشهداء، والبطولات التي لا يصدقها الجيل الجديد، الذي يشاهد التلفزة، انها كانت بهذا المستوى وبهذا الشموخ.
والسؤال البديهي: هل تلك التضحيات وتلك الملاحم الوطنية، وصور التعذيب في سجون الطاغية، تنسجم مع هذا التمزق الذي يعيشه بعض الحريصين على التنكر لابسط متطلبات الحفاظ على النسيج الكويتي، وخدمة الوطن وازدهاره، التي ساهم الصراع والخطاب السياسي الدائر بين اصحاب المصالح حاليا في القضاء على المواطنة بمفهومها الجميل، وعزز مكانها القبيلة والطائفة والمصالح الضيقة، وسعي بعض السياسيين الى دفن تلك الروح الى الابد؟
لكن ورغم كل شيء، فإننا نراهن على وعي ابناء الكويت المخلصين لترابها، وتاريخها، من كل الاطياف، في الدفاع عن اي فكرة تهميش وطن.
فوزية أبل
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق