“الفوضى مصطلح يطلق على النظامية التي تؤدي الى ارباك عقولنا” (سانتيانا).
يحاول بعض الأشخاص العفويين اتباع ما يعتقدون انها قوانين ونظم وإجراءات متفق عليها ويتم تفعيلها غالب الوقت في بيئتهم المحلية التقليدية .ولانهم لا يزالون يعتقدون ان عن طريق هذه الممارسات الحضارية سينجحون في بيئتهم, وسيحققون ما يتمنون ان يتحقق لهم من نجاح وظيفي واجتماعي وانساني, فسيصابون بخية الأمل. فهم يصطدمون بجدار التخبط والعشوائية التي يمارسها الآخرون في مجتمعهم. ويعانون كذلك من طغيان الشللية على جزء كبير من حياتهم العملية والاجتماعية. فمشكلة أصحابنا العفويين أنه لا يوجد في مجتمعهم الوطني طريقة متعارف عليها أو حتى وسائل منظمة تستخدمها أغلبية الناس ويمكن للفرد العادي استعمالها ليصل لما يريد !
على سبيل المثال, الجهد والاخلاص في العمل ليسا بالضرورة يسهلان وصول الفرد العادي الى الترقي الوظيفي. وليس بالضرورة كذلك ان يؤدي احترام الفرد لنوع ما من القوانين أو الأعراف الى حيازته التميز الاجتماعي او الشخصي. فالبيئة التقليدية لم تكن قط خريطة انسانية واضحة المعالم يمكن لاي شخص معرفة تضاريسها وبأي درجة من الدقة. فالبيئة العشوائية والمجتمع غير النظامي كالرمال المتحركة مليئة بالمفاجآت المفجعة.
فالعشوائية والتخبط في اي نوع من البيئات الاجتماعية ستنهك الفرد اخلاقيا وانسانيا. فلم نسمع او نقرأ في السابق ان المجتمعات الانسانية البدائية العشوائية بقيت على ما هي عليه في بداية نشأتها واستمرت الى هذا اليوم, فلولا تقادم التطور الانساني والحضاري ولولا الاحتكاك بالمجتمعات الاخرى الأكثر تطوراً, ولولا وضع القيمين على المجتمعات قوانين تنظم العلاقات بين اعضائها, لما بقيت تلك المجتمعات ولاندثرت. فالتخبط في القرارات وعدم الالتزام بالواجبات الوظفية ورواج شخصانية فجة في علاقات الناس بينهم ستنهك الإنسان العقلاني والمنظم وستملأ قلبه بالحسرة و”لوعة الجبد”. فكيف بالعاقل ان يكتمل انسانيا اذا لم ينتج من وراء التزامه بالنواميس الاخلاقية المزعومة واعتناقه للاستقامة اي نوع من النتائج الملموسة ? ولهذا ولغيره من الاسباب فسيستمر الفرد النجيب مثلاً ناقصا وغير مكتمل انسانيا في هكذا تجمعات بشرية.
وبالطبع نتمنى كما يتمنى آخرون ان نعيش في مجتمع انساني يعرف فيه الفرد حقوقه وواجباته بشكل واضح. ويدرك فيه ان حريته الشخصية مثلاً ستتوقف عند اعتاب حريات الاخرين, بل ونتمنى ان نعيش في مجتمع يعرف فيه الانسان العادي انه ساعة ما يؤدي ما عليه من واجبات اجتماعية واخلاقية ووظيفية ووطنية فهو سيربح آخر الامر.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق