ايمان شمس الدين: ساهر الليل

أعاد هذا المسلسل إلى الذاكرة الكويتية أحداث الغزو الغاشم، تلك الذاكرة المنسية من ذاكرة كثير من السياسيين الكويتيين الذين أغرقوا البلد بمهاترات وصلت إلى حد شق الصف الذي رصته سابقاً دماء الشهداء، إبان الغزو العراقي الغاشم.

وهنا يحضرني تساؤل كبير: لماذا لم تحتفظ ذاكرتنا، كشعب وسياسيين، بهذه الأيام، وما عكسته من لحمة وطنية شكلت ملحمة حقيقية أعادت الكويت إلى أحضان الكويتيين؟

أعتقد السر يكمن في عدم تحملنا أمانة دم الشهداء، كما يليق، فمن جهة الدولة فهي مقصرة في إبراز أهمية ما قام به هؤلاء الشهداء من خلال الإعلام والمناهج التربوية، وكل ما من شأنه يبقي تضحيات الشهداء في ذاكرة الأجيال، خاصة أولئك الذين كانت لهم بصمة واضحة في المقاومة، وضحوا بأنفسهم وما يملكون لأجل هذا الوطن. ومن جهة مؤسسات المجتمع المدني التي إما برامجها في إحياء ذكرى الغزو ضعيفة وغير جاذبة، وإما أصلاً لا توجد عندها برامج تليق بالحدث وحجمه.

ومن جهة المؤسسات والمراكز الدينية التي لم تفكر حتى في تخليد ذكرى هؤلاء من خلال برامج توعوية ترسخ في ذهنية الجيل ثقافة التضحية والإيثار والمواطنة الصالحة.

وأكثر ما يشعرني بالحسرة كامرأة هو تغييب دور نساء شهيدات، قمن بأعمال بطولية لم يقم بها رجال في ذلك الوقت، وتعرضن في خاتمة المسيرة للاعتقال ومورس بحقهن أشد أنواع التنكيل والتعذيب، ولم يفصحن عن أي معلومة تكون سبباً في كشف المقاومين، ومن ثم استشهدن بطريقة بشعة، ورغم ذلك لم تخلد ذكراهن كما يجب في ذهنية الجيل الحالي من الشابات، خاصة من قبل جمعيات نسائية استغرقت في صراعات خاصة على انشغالها في تخليد الشهيدات.

وما يميز شهادة هؤلاء النسوة هو كونهن من بيئة الأعراف والتقاليد التي لم تكن بعد تعترف للمرأة بدور، بل جل ما يمكن أن تسمح به هو العلم والتعلم، فواجهن تحديين: الأول، الأعراف والتقاليد التي غالباً تعيق حراكهن كنساء، والثاني، الاحتلال وجنوده الغاشمون.

إن المطلوب اليوم هو تخليد ذكرى الشهداء، خاصة شهداء المقاومة بما يليق بهم وبهذا الوطن، خاصة أن المسلسل جاء في ظروف سياسية صعبة تمر بها الكويت، وفي ظل انقسام خطير في المجتمع سببه التشدد والتطرف والتكفير، رغم أن دماء الكويتيين اختلطت في الغزو على تراب الكويت دون تمييز، وبيت القرين شاهد على العصر في ذلك رغم أنه، أيضاً، لا يحظى بما يليق به من الاهتمام.

فالمجلس الوطني الثقافي اليوم مطالب بعمل برنامج مرحلي يعيد إحياء ذكرى هؤلاء في ذهنية الأجيال، لأن الثقافة الحقيقية تشكلها التجارب الواقعية، وإذا ما سقطت الدماء في هذه التجارب، فوقعها يكون أعمق في صناعة ثقافة الأجيال. وادعو رابطة الأدباء لاستكتاب مجموعة من الروائيين للكتابة حول أبطال المقاومة وشهدائها، بل عمل سلسلة تخص أبطال المقاومة وشهداءها، وتتحدث عن الغزو لكل الفئات العمرية بطريقة جاذبة. فإن عجزت الحكومة عن تمجيد شهداء المقاومة الشعبية، فنحن من سيخلد تاريخهم في ذاكرتنا، فالشعب يجب أن يكون هو حضن الكويت الآمن.

فالأمة التي لا تمجد شهداءها مصيرها أسود.

إيمان شمس الدين

chamseddin72@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.