حسن كرم: فرصة وضاعت

ذهاب الحكومة للمحكمة الدستورية للطعن ببعض مواد من قانون الانتخابات هل هو ذكاء حكومي أم هروب أم هو جبن اظهرته الحكومة كما يحلو للبعض وضعه أم هو مؤامرة على ما تسمى الاغلبية المعارضة لتفويت فرص الفوز عليهم في الانتخابات المقبلة كما تراه تلك الاغلبية البائسة..؟!!
في تصوري لجوء الحكومة للمحكمة الدستورية للطعن بالدوائر الانتخابية تحصيل حاصل اولا، وهروب منها على قدرة المواجهة، خصوصا ان الصوت العالي والتهديد بالشارع احدى الادوات المخيفة التي كثيرا ما ادخلت الحكومة في الغرف المظلمة وضبط اقفالها على الخروج والمواجهة وجها لوجه..!!
المضحك ان الحكومة تعلن الآن حرصها على تطبيق القانون بما لا يجعل فرصة للطعن، وكأن قانون الانتخاب هو القانون الوحيد في البلاد المشكوك في دستوريته، وهناك ربما عشرات القوانين التي اذا عرضت على المحكمة الدستورية ستسقط الواحد بعد الآخر مثلما يتوقع سقوط قانون الدوائر.. ولقد نسيت الحكومة أو تناست ان توزيع الدوائر الانتخابية والحقوق الانتخابية مسألة سياسية قبل ان تكون دستورية أو قانونية، خصوصا انه في خلال الخمسين سنة الماضية من الممارسة الديموقراطية طرأت تغيرات هائلة على التركيبة السكانية مع موجات التجنيس والهجرة من الخارج ما اثر على تركيبة المجتمع وعليه فقد باتت المناطق الخارجية تفوق على المناطق الداخلية بنسب مضاعفة الامر الذي قد يهدد فقدان التمثيل الحقيقي لسكان المناطق الداخلية، فيما اذا تم توزيع الدوائر حسب الاعداد السكانية، فغاية التمثيل في مجلس الامة لا مراعاة النسبة السكانية وانما مراعاة تمثيل الفئات المجتمعية، بمعنى يجب ان يكون هناك تمثيل ان لم يكن لكل مكونات المجتمع فلا اقل لغالبيته، فلا يصح هضم حقوق ابناء المناطق الداخلية على طغيان تمثيل المناطق الخارجية وكذلك العكس، لقد راعت التوزيعات السابقة للدوائر الانتخابية هذه الجزئية بعين الاعتبار، وأي توزيع جديد سواء على بقاء الدوائر الخمس أو غير ذلك ينبغي مراعاة حقوق الاقلية، وحقوق ابناء المناطق الداخلية متساوية مع المناطق الخارجية.
ولعل من نافلة القول ان نقل الدوائر الانتخابية للمحكمة الدستورية وهو قضية سياسية هو عجز من الحكومة على مواجهة القضايا بشجاعة وحصافة. وكان عليها (الحكومة) ان ينطوي تصرفها على حكمة وحصافة وبعد نظر، ففرصة تعديل الدوائر بما يسد كل الذرائع كانت موجودة لو تم تفعيل جلسات مجلس (2009) المعاد، ولكن الحكومة لكي تكسب الشارع وتكسب المعارضة طعنت بالمجلس زاعمة ان اسباب الحل ما زالت قائمة الامر الذي افقد النواب الراغبين بحضور جلسات المجلس شهية الحضور ما عجز رئيس المجلس عن توفير النصاب الدستوري في الجلستين اليتيمتين اللتين عقدتا في غياب النواب وغياب الحكومة بكامل هيئتها(…)!!
فلو عقدت جلسات مجلس (2009) لكان يسهل عرض قانون الدوائر وتعديله وفقا للارادة الشعبية، ووفقا لمبدأ الرضا والتراضي بين الكتل البرلمانية، الا ان الفرصة ضاعت من الحكومة ومن الموالين لها وايضا من المعارضين.
ان قرار عودة مجلس (2009) كان محل ارتياح من الغالبية الشعبية، الا الحكومة وتلك المعارضة البائسة فلم يبديا ارتياحا واذا كنا نعذر للمعارضة اسباب عدم الارتياح، فما عذر الحكومة غير الخضوع والخوف من الصوت العالي..!! تأجيل حل مجلس الامة وتأجيل جلساته ادخلا البلاد في فراغ دستوري وفراغ سياسي، وقيدا الحكومة من اتخاذ قرارات ضرورية مخافة الوقوع في المخالفة الدستورية وهذا معناه جمود اوضاع البلاد الى حين حل المجلس والى حين انتخابات جديدة، وتشكيل مجلس امة جديد، فهل هذا هو الحل العبقري الذي شاءته الحكومة.. يا حكومة..؟!!

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.