خالد الجنفاوي: “الطنازة” خِفَّة عَقْل

” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ? وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَاؤلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” (الحجرات 11).
“طَنَزَ يَطْنِزُ طَنْزاً: كلمة باستهزاء, فهو طَنَّاز. والطَّنْز: السُّخْريَةُ” (لسان العرب). أعتقد أن من يميل للاستهزاء والسخرية من اؤلئك الذين يعارضونه في الرأي يأتي بتصرف يتناقض مع بديهيات الممارسة الديمقراطية البناءة. فالإنسان الديمقراطي والمتحضر قولاً وفعلاً هو من يترفع عن توافه القول وينأى بنفسه عن السخرية والاستهانة بشخصيات من يخالفونه الرأي أو من يعتنقون طرق تفكير ومواقف مختلفة. فالاستهزاء و”الطنازة” بالناس الآخرين وبخاصة ضد من لايتفق معهم “المتطنز” تدل على قلة إدراكه لعواقب إهانة كرامات الناس الآخرين. وتشير أيضاً إلى ضآلة خبرته الحياتية والسياسية. والأهم: يدل هذا الاسلوب الطائش في النقد على فجاجة تفكير أحدهم وربما إفتقاده للنضج الديمقراطي في عالم معاصر لم يعد يحتمل فيه إهانة كرامة الناس وقتل شخصياتهم فقط لأنهم مختلفون أو معارضون في آرائهم.
إضافة إلى ذلك, إتباع أسلوب “التطنز” يدل بشكل أو بآخر على فقد “المتطنز” للحجج العقلانية والدلائل المنطقية على صدق ومشروعية آرائه وتوجهاته الفكرية. فالأحرى بالإنسان الواثق بما لديه من قدرة على مواجهة أنداده ومعارضيه بالرأي أن يمارس النقاش العقلاني والمنطقي. فإنسان اليوم وبخاصة من يعيش في بيئة إنسانية مدنية ومنظمة وديمقراطية لم يعد يقتنع بأسلوب السخرية والإستهزاء بشخصيات المعارضين. فالأولى إذاً بمن يعتقد أنه على حق وأن الآخرين ينطلقون من مبادئ وتوجهات سلبية أو هدامة هو أن يخاطب عقول الناس لا أن يتحول إلى مهرج سمج يهدر كرامات معارضيه !
ولربما سيحصل المستهزئ بكرامات وشخصيات معارضيه على بعض التأييد المؤقت والتصفيق الحار ولكنها سرعان ما تندثر ! فما سيبقى على الأرض- إذا أردتم- هو نجاح الإنسان والفرد الحر في الدفاع عن وجهات نظره ومواقفه الديمقراطية بشكل يخاطب فيه عامة الناس بأدب ويحترم عقولهم. فلم يُعرف عن “الطنازة” والسخرية أنها أدت في السابق إلى زيادة شعبية أحدهم أو مكنته من الحصول على تأييد العقلاء والحكماء وأهل الرأي في مجتمعه, بل من المتوقع أن يبقى “المتطنز” في مجتمعه: قليل القيمة معنوياً, وخفيف الوزن ذهنياً, وليس بشخص ثقة في عيون العقلاء والمواطنين الصالحين. فلعل وعسى.

* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.