ناصر العبدلي: .. الرضا من آل البيت

استوقفني شعار «الرضا من آل البيت» الذي رفعه بنو العباس عندما ثاروا على بني أمية، خاصة عندما فسره أبو العباس السفاح بأنه هو الرضا، ومادام كذلك فله الحق في تولي السلطة رغم أن هناك من آل البيت من هم أحق منه. واستوقفني كذلك هجوم بني العباس على من لا يقبل بهذا التفسير لشعار الثورة.
تلك الإشكالية والجدل حولها لايزال محتدما منذ ذلك اليوم وحتى الآن، فإن لم تكن معنا فأنت ضدنا على طول الخط، وليس هناك من مجال لقبول الرأي الآخر، رغم أن هذا إخلال بفكرة الديمقراطية القائمة على تعدد الآراء والاتجاهات، واحترام كل تلك الآراء لبعضها البعض، وعدم التشكيك بأي اتجاه كان حتى لو كان مخالفا لنا.
ما يسمى بالأغلبية البرلمانية تبنت شعارا مماثلا لشعار بني العباس بمسمى جديد هو إرادة الأمة، وقد فسرت إرادة الأمة بأنها تعني الالتفاف حول نواب تلك الأغلبية حتى لو كان بينهم من لا يحترم الدستور والقانون، وتدور حولهم شبهات مالية، وحتى لو كان بينهم طائفيون يعبثون بالوحدة الوطنية في غدوهم ورواحهم.
أمر خطير إذا كان هناك من يعتقد أنه وحده فقط من يحمي الدستور فيما الآخرون انبطاحيون ومرتزقة، وأنه إذا لم يقبل الناخبون بتفسير معنى شعار إرادة الأمة على أنه ضرورة التصويت لمثل تلك الأغلبية «ثمرة» الفرعيات وشراء الأصوات، فعندهم مشكلة في الوعي والفهم، لأن مثل تلك الخطوة تعني التسويق فعليا لمشروع ديكتاتوري يقوم على تسفيه الآخرين، مما يناقض مشروع الإصلاح السياسي الذي بشرنا به.
الحكومة لديها أخطاء كثيرة وعليها أن تعترف بها قبل غيرها حتى تتمكن من تجاوزها، لكن وجود أخطاء عند الحكومة لا يعني أن نسبغ شرعية على أخطاء بعض أعضاء مجلس الأمة بحجة أخطاء الأولى، وإلا فإننا نستبدل خطأ يمكن معالجته بخطأ لا يمكن معالجته لارتباطه بمفاهيم وآليات خاطئة سببها نحن كناخبين.
علينا أن ننتقد الحكومة في أي إجراء خاطئ ونقف جميعا ضدها، لكن يفترض بنا احترام الآراء الأخرى التي نختلف معها حتى نؤسس لممارسة برلمانية صحيحة، وعلينا أن نعرف أن تصحيح مسار الحكومة إذا وجدنا فيها ما يتطلب ذلك من خلال «تجويد» خياراتنا كناخبين بعيدا عن الطائفة والعائلة والقبيلة، فالإصلاح يبدأ من هناك، والحكومات انعكاس للتفاهمات خلف الكواليس.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.