أتساءل حين أتابع قنوات التواصل الاجتماعي و«الحوار» الشبابي عن امتناعي عن نزول «الإرادة» ودعم «المعارضة»، ويراودني الشك في موقفي وفي دوافعي، فأنا ككل الشعب أعاني يومياً من تردي خدمات الدولة، وأشمئز من درجة انتشار الفساد، وأقلق على مستقبل أبنائي وبقاء وطني على خريطة العالم.
ولا شك لدي في تحمل الحكومة كامل مسؤولية تردي الأوضاع وضياع البوصلة، فهي كما عبر أحد الأصدقاء «تغرق في ميلليمتر مية»، وتستهلك طاقاتها في ردود الأفعال غير المتزنة ومحاربة النيران بدل التخطيط والقيادة والبناء، وتغيير رؤساء الحكومة حتى هذه اللحظة لم يكن سوى تغيير وجوه دون تغيير يذكر في الأسلوب أو التوجه، واختيار الوزراء كان ولا يزال على أساس المحاصصة القبلية والاجتماعية، وليس الكفاءة أو القدرة أو حتى النزاهة.
فلمَ لا أقفز في قارب «الأغلبية» وأحارب الحكومة من هناك؟ هل هرمت وتغيرت؟ هل أصبحت أحد هؤلاء الذين كنا نعيب عليهم أيام الشباب بيعهم مبادئهم واستسلامهم للسلطة؟ هل هو خوف على «مصالحي»؟ هل كبرت على التظاهر والإضراب والاعتصام؟ هل فقدت الأمل في التغيير والنجاة من عنق الزجاجة التي يمر بها وطني؟
أشك في نفسي وأشكك في قواي العقلية، ثم أستذكر: من هم «المعارضة»؟ وما هو برنامجهم؟ وما يجمعهم؟ وما هي إنجازاتهم؟ وما الذي يدفعني إلى الثقة بهم أو لوضع مصير وطني بأيديهم؟ ما مدى جديتهم في محاربة الفساد؟ كم من «سراق المال العام» يقبع في السجن أو على الأقل توقفت أعماله بسببهم؟ أليس منهم من عليه شبهات تنفّع ورشوة وتحالفات ضمن صراع الأسرة الحاكمة؟ أليسوا هم من أوقف مشاريع التنمية البسيطة التي ولدتها الحكومة بعسر؟ ألم يدعوا إلى هدم الكنائس والحسينيات؟ ودعموا حرق المخيمات وإغلاق المعارض الفنية وإيقاف المسرحيات؟ واقتحام المرافق العامة؟ أليسوا هم من دعا إلى تغيير المادة الثانية وقانون العفة والاحتشام؟ ألم يقروا إعدام المختلف فكرياً ووضعوا المزيد المزيد من القيود على حرية التعبير والحرية الشخصية؟ ألم يثبتوا لنا بالقول والفعل أنه لا احترام لهم للقانون أو الدستور؟ وأنهم مع استرجاع «حقهم» بقوة الذراع متى ما تعذر دعم القانون؟
هل عدو عدوي صديقي؟ هل المطلوب الآن معارضة من أجل المعارضة؟ هل الحل في إيقاف برنامج الحكومة وشلها؟ أم في وضع برنامج وخطة والدفع باتجاه حل للأزمة بدل المزيد من التأزيم؟ ألم نتعلم من التاريخ أن القوى التي تصعد على أكتاف الشعوب في لحظات الهلع تسبب أضرارا يصعب احتواؤها؟
علمتني الحياة أن أدافع عن حقي بنفسي وألا أسلم تلك المسؤولية لأي كان، وألا أنجرف إلى مشاعر الخوف والقلق في البحث عن حلول سريعة أو قصرة الأمد دون النظر في العاقبات الاستراتيجية، تعلمت أن الثقة غالية ولا تمنح إلا لمن يستحقها.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق