لدبي وأهل دبي، وللإمارات وأهل الإمارات، كل التقدير والاحترام والاعجاب. لا ينكر وقفتهم مع محنة الكويت والكويتيين خلال الغزو إلا ناكر للجميل. ولا ينسى دعمهم ومؤازرتهم إلا حاقد. ولا يتجاهل عمق العلاقات الثنائية إلا جاهل. ولا يغمض عينيه عن تجربتهم التنموية الرائدة الا أعمى. هم عمقنا ونحن عمقهم. هم أهلنا ونحن أهلهم. هم يفخرون بما قدمته الكويت لهم قبل عقود على المستويات التعليمية والصحية والخدماتية والفكرية والإعلامية، ونحن نفخر بالتطور العمراني والإنساني والحضاري الذي حققته الإمارات ونعتبره قوة لنا ولدول الخليج.
ولأننا أبناء بيت واحد، يمكننا دائما التحاور بصوت عال مع أشقائنا في الإمارات ومباشرة من القلب إلى القلب. شرحنا وجهة نظرنا واستمعنا إلى وجهة نظرهم. تناقشنا وتعاتبنا واختلفنا وتراضينا… إنما ذلك كله كان يتم تحت سقف المنزل وفي أطره الصحيحة والسليمة. هكذا كان يحصل على مستوى القيادتين السياسيتين أو على مستوى الوزراء والمفكرين ورجال الإعلام، وأجزم أن الحوارات التي دارت بيني وبين مسؤولين إماراتيين حول كل الشؤون المتعلقة بالكويت والإمارات والمنطقة كانت أكثر صراحة من الحوارات التي تدور بيني وبين مسؤولين كويتيين.
اليوم هناك حوار من نوع آخر في الفضاء الإلكتروني بين الكويت والإمارات. تمنينا لو توقف بعد انطلاقته أو بعدما أعطى كل طرف وجهة نظره على النحو الذي أراده.
حوار فجرته رسائل قائد شرطة دبي الفريق العزيز ضاحي خلفان حول الحراك الشعبي الكويتي ووجهة نظره فيه، وزادته سعيرا الردود عليه. وكما خانت بعض التعابير الفريق ضاحي فتجاوز ما ليس من طبعه، كذلك خانت التعابير بعض من ردوا عليه فتجاوزوا ما ليس من طبع الكويتيين… لكن الإنصاف يقتضي القول إن الفريق بدأ.
يعرف الفريق ضاحي وأهل الإمارات أن الاستهزاء بالأنساب وأسماء العائلات والاساءة إلى حق الإمارات في استعادة السيادة على جزرها المحتلة ليس من شيم الكويتيين حتى ولو كان «الكنترول» ضعيفا بالنسبة إلى القرية الإلكترونية الكونية ووسائط التنقل والتحاور فيها. وفي كل الاحوال هي ذخيرة تطلق عشوائيا من بنادق «تويتر» ولا ترقى إلى رقي الشيخ الصديق عبد الله بن زايد الذي اعتذر عما لم يقله وحيا الكويت بعبارات نابعة من قلبه.
إنما ليتسع صدر الفريق ضاحي لكلمة صادقة من كويتي محب للإمارات. نتفق معك في ان البيت الخليجي الواحد يسمح لك بأن تعطي وجهة نظرك في قضايا كويتية داخلية انطلاقا من أن التجربة الديموقراطية عندنا فضفاضة وتتسع لكل الآراء. ونقدر حبك للكويت وحرصك على أمنها واستقرارها. ولكن الفارق بين الرأي والتجريح واضح وضوح العيان ولا نعتقد ان رجلا بحنكة الفريق يفوته ذلك.
أن تقول إنك ضد التظاهرات والتجمعات فهذا حقك، أما ان تصف المتجمعين بأنهم أولاد شوارع فهذا حق عليك. أنت تعرف أن القانون الكويتي الخارج من رحم دستور هو الأول في منطقة الخليج أجاز التجمعات والاعتصامات وكل أشكال التعبير عن الرأي. فاذا كان تجمهر أهل الكويت مسموحا به في القانون فكيف نصف من يمارس حقه بأنه ابن شارع؟ ثم ان تصنيف الناس وإسقاط الألقاب السيئة عليهم حسب آرائهم السياسية «سقطة» لا نعتقد ان الفريق أرادها ان تحصل اللهم إلا إذا كانت الحماسة استبدت به في معركته مع بعض الأطراف السياسية تحديدا.
وليس الفريق ضاحي، وهو المتمرس في الضبط والتنظيم، من يمشي عكس خطه المستقيم المعروف فيستهزئ بأسماء عائلات كويتية في معرض سجاله السياسي مع أطراف حزبية، فأبناء هذه العائلات اصلاء في النسيج الاجتماعي والوطني الكويتي وبعضهم قد يكون ضد الخط السياسي لهذا أو ذاك ممن يحمل اسم العائلة لكن هذا لا يعني على الاطلاق انه لا يفتخر باسم أسرته ونسبه أو انه يرضى بالاساءة إلى هذا الاسم لمجرد ان قريبه من خط سياسي معين… وهذه أيضا من المآخذ على الفريق.
وليس الفريق ضاحي، وهو الخبير بالكويت وأهلها وديموقراطيتها، من يخلط بين مطالب سياسية لتيارات أو تجمعات شبابية وبين الولاء لأسرة الحكم. قد نختلف أو نتفق مع هذه المطالب. قد يرى بعضهم ان اطرافا في الغالبية تكيل بمكيالين فهي مع حكم «الدستورية» إذا وافق اهواءها وضده ان خالفها. قد تصدح اصوات في «الإرادة» معروفة بمبدئيتها وحرصها على الشأن الوطني وقد تصدح أصوات معروفة بشخصانيتها ومصالحها الخاصة… إنما قضية الولاء لأسرة الحكم أمر متفق عليه بين الجميع.
النقطة الأخيرة في النقاش مع الفريق ضاحي تتعلق بالإخوان المسلمين كتنظيم وكحركة شعبية، وهذه نقطة سجال سياسي بامتياز كون قائد شرطة دبي جعل من هذه القضية هاجسا أساسيا. وايضا نقول إن تعامل الكويت مع «الإخوان» تاريخيا يختلف عن تعامل مختلف الدول العربية. فالسلطة لم تلاحقهم وتطاردهم وتعتقلهم وتحظر حركتهم وتدفعهم إلى تنظيم صفوفهم تحت الأرض وتعطيهم ورقة اضطهاد ومظلومية للحشد والتعبئة لاحقا، وأيضاً لم تدللهم وتقربهم وتستخدمهم في صراعها السياسي مع دول عربية أخرى كما كان يحصل بين مصر ودول خليجية سابقا أو بين الأردن وسورية. شارك «إخوان» الكويت في اللعبة السياسية مثل أي طرف آخر. اصابوا واخطأوا. تقدموا وتراجعوا. دخلوا المؤسسات السياسية من أوسع ابوابها. قيم الناخبون أداءهم فأعطوهم اصواتهم في الانتخابات أو حجبوها عنهم، ولذلك تارة تكون حصتهم جيدة في السلطتين وطورا ضئيلة… خارج هذه المعادلة لا نرى أي دور لـ «الاخوان» ولا لغيرهم، ليسوا «بعبعا» يخاف منه الكويتيون وليسوا «مضطهدين» يخافون من الكويتيين، وإذا تجاوزوا هم أو غيرهم الثوابت الوطنية وقواعد اللعبة الديموقراطية وحاولوا الهيمنة على المؤسسات بوسائل غير دستورية فإن لدى الكويتيين من الشجاعة والإرادة والقدرة والوعي ما يمكنهم من إيقاف كل طرف عند حدوده وتصحيح المسار.
ختاما. خلاف الرأي لا يفسد للود قضية، والديموقراطية الكويتية التي يراها بعض الاشقاء مصدر خوف هي مصدر حماية وحصانة، لأنها تعكس الخيارات الاساسية للشعب من دون ضغط أو إكراه. الخوف على الكويت النابع من قلب الفريق ضاحي يعكس محبته لهذا الوطن… إنما العبارات التي استخدمت على ضفاف هذا الخوف وما أعقبها من ردود فعل تخيف الحريصين على أفضل العلاقات بين الدولتين والشعبين لأنها تنقل القضية من النية في نزع الألغام إلى مناطق زرع الألغام والغرائز والإساءات.
مرة أخرى، تحية أيها المحب للكويت ونأمل أن يكون صدرك المليء بالأوسمة اتسع لملاحظاتنا.
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق