سارة المكيمي: تفسير المقام في الإنستغرام

ربما كانت الفجوة بين نية المخترعين والقيمين على هذه البرامج وبين نية مستخدميها عميقة وواضحة! اعتقد ان الحالة العقلية لكل من يقوم بتصميم وإنشاء هذه البرامج التي تغلب عليها الصفة الاجتماعية لابد ان تكون خيرة وصافية في المقام الأول, ثم تكتشف الجموع الغفيرة من كل البلدان والأزمان هذه اللعبة الجديدة ليفسرها كل شخص على هواه. فأحدنا يأخذها وسيلة للفرجة على “خلق الله”, تجد ان حسابه مليء بمن يتابعهم, اعدادهم بالآلاف ولكنه لا ينشر كلمة ولا يضع صورة يتيمة ولا يتبعه أحد! ومنهم من يستخدمها لتسويق اعماله والترويج عن سلعة يبيعها او فكرة يود انتشارها. ومنهم من كانت تعيث بداخله بوادر النرجسية ولم يكتشفها إلا في “انستغرام” الذي بات يسهل عليهم وضع صورهم سواء تلك التي قبل الطلعة, وأثناء الطلعة, وبعد الطلعة .. بالحمام والمطبخ والصالة والغرفة, ببوز او بابتسامة او فرد عضلات او انبطاح محترم يتماشى مع الدين والتقاليد. هناك ايضا “الفاشنيستاز” و”الفاشنيستوز” الذين يحبون مشاركة الناس ب¯ “هيرميزاتهن” و”لوبوتانهن” و”رولكساتهم” و”سكارفاتهم”, عارضين على الملأ طلاتهم اليومية وبدلاتهم الصباحية والمسائية والليلية والسهرة وما بعد السهرة ضاربين “بريك” قوي ¯ ولله الحمد ¯ عند البيجاما واللانجري.
الطريف بالموضوع أنني بت استمتع بكل ما جاء في الأعلى, بل واستلهم الكثير من افكار اللبس او طرق التجميل والماكياج والشعر من صديقاتي “الإنستغراميات”! أما اصدقائي الرجال فعادة ما يكونون إلهامي في الرياضة والريجيم وأماكن السفر والسمر والسهر.
المشكلة أن حتى في “الإنستغرام” .. ذلك المكان اللطيف الذي يعتمد على الصور كمادة أولية للمشاركة الإنسانية والتوثيق الآدمي بين الناس نجد فئة كبيرة, خصوصا من هذا الجانب من الكرة الأرضية الذين يمتهنون حرفة التنمر! حتى في برنامج خلق للصور وعرض مقتطفات ومقتطعات من حياة الناس لابد أن تجد من لا يستريح لهم بال إلا عندما يكتبون كلاما جارحا وسلبا قارحا على شؤون “خلق الله”! كيم كارداشيان مثلا الجميلة المثيرة من تلفزيون الواقع تضع صورا فاضحة وواضحة بالنسبة لنا, ولكنها صور عادية احيانا وفنية في أحيان أخرى بالنسبة لهم, ولكن التعليقات العربية التي تتجاهلها كيم بطبيعة الحال تحكي عن واقع مرير يعكس الحقد القهري الذي تعاني منه فئة كبيرة منا والذي نرى صوره واضحة وجلية من خلال السب والقذف والتنكيل والإهانة بما توفر لهم من كلمات تبسطها لنا لغتنا العربية والعامية الغراء! ولكي أقرب الصورة أكثر … التعليقات التي تتلقاها مذيعة ديوانية حواء اللبنانية سازديل خير دليل وبرهان على نقص المناعة التعاطفية مع من هن ربما أجرأ منا او أجمل منا او أقل منا تحفظا!
أخاف على هذا المجتمع الذي اشعر احيانا انه لا يستطيع الشعور بقيمة نفسه إلا عندما يبدأ بالحط من قدر الآخرين! أخاف على مبادئ رائعة وجميلة وأساسية للمشاركة في الحياة مثل الاحترام والاختلاف وتقبل الآخر المسالم مهما كان ومهما نشر من صور! أخاف على فتيات هذه الأرض اللاتي لا يسعدن بحياتهن ولا يتقبلن أنفسهن إلا عندما يكن الأجمل ويرتدين الأثمن, ومن تتفوق عليهن بشيء لابد من تحقيرها والتنكيل بها! تعليقات العرب في “تويتر” و”يوتيوب” و”انستغرام” مؤشر مخيف على التوجه الذي تسير نحوه الأجيال القادمة وخصوصا في ما يتعلق بمفهوم الحوار والنقاش والمشاركة, وإن فقدنا تلك الأساسيات في تلك البرامج الطريفة التي من المفروض ان تقربنا اجتماعيا… فكيف لنا أن نتوقع الأفضل في محافل الحوار الكبرى التي من المفروض ان تجعلنا نعيش في كوكب واحد!
sjm1306@gmail.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.