محمد المقاطع: أخطاء السلطة … واحتكار العمل الوطني والحوار

لاتزال السلطة السياسية لدينا تفكر بعقلية الانفراد أو التفرد في إدارة الدولة ورسم إطار الشأن السياسي العام، ومازالت تعتمد في تصورها ذلك على التفكير ذاته، بل والعقول التي تمدها بمعلومات خاطئة، وتفضل أن تدير الشأن العام السياسي في الظلام، ولذلك تتكرر، بل ربما تتزايد أخطاء السلطة، وكذلك التكلفة السياسية لمثل هذا النهج وتلك العقليات، والسلطة اليوم أمام حاجة ملحة لتغيير تفكيرها، ومن ثم نهجها بل وخطابها، وهذا كله يحتاج إلى تغيير العقول التي تساعدها في المشورة والنصح – أي البطانة – فقد ثبت أنها أم لنقل معظمها حاليا بطانة طالحة ومنظورها ومنطلقاتها ضيقة، تعتمد على وجود السلطة وتوظف منطق القوة ونهج الفرض، وهذا توجه يوقع السلطة في أخطاء متوالية واحدا تلو الآخر، ولا يكسبها قوة ذاتية واقناعية، مما يسهل وقوعها في الحرج ووضعها في موقع الدفاع وفقدان المبادرة، ومن ثم يجر عليها تبعات جساما قد تفلت بسببها الأمور من يدها.

ويعتبر التعامل مع مستجدات الدوائر الانتخابية، التي هي الآن منظورة أمام المحكمة الدستورية، والتفكير بالبديل العادل المنطقي غير التحكمي الذي ينعكس برضاء شعبي عريض هو الخيار الوحيد أمام السلطة للخروج عن منهجية الأخطاء، وهيمنة بطانة السوء التي ترغب في استخدام السلطة ومنطق القوة والفرض في البديل، بدلا من الحوار والإقناع، ويا له من تفكير سطحي وخطير.

في المقابل، فإن الاستفراد الذي ترغب السلطة في ممارسته وفرضه، يقابله منطق غير مقبول من الكتل السياسية والبرلمانية، يسعى لفرض سياسة الإقصاء للأطراف الأخرى واحتكار العمل الوطني وإدارة الشأن البرلماني تحديدا في الدولة من دون الاكتراث بالعمل السياسي بصورته العامة، وهو ما سمح بظهور حالات الهيمنة على البرلمان من طرف ما في كل مرة، بل وغياب مظاهر أخلاقيات العمل السياسي وأهمها ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر والمعارضة المسؤولة، ويرجع سبب جوهري في ذلك إلى هشاشة التجمعات والكتل السياسية والبرلمانية التي يقودها أشخاص همهم الأكبر وشغلهم الشاغل الحفاظ على مقاعدهم في البرلمان مهما كلف ذلك من ثمن على حساب الوطن، ولذا تدنى العمل البرلماني وانحدر الخطاب بكل أسف، وظهرت لغة التخوين وإلقاء التهم الجزاف والتهديد والتلويح بما هو ليس بمقدورهم عمله، وذلك كله سعيا لاحتكار العمل الوطني وتوزيع صكوك الوطنية لمن شاؤوا ومنعها عن غيرهم.

إن أغلبية ما يعرف باسم مجلس 2012 أصيبت بهذه الإشكالية، وتسعى لاحتكار العمل الوطني، وهم بعد شعورهم أن مسلكهم ذاك لم يعد مقبولا حاولوا أن يوجدوا لهم ما يسمح لهم بذلك، أنشأوا ما أطلقوا عليه جبهة، وهي في حقيقتها تشمل مكوناتها الحالية بصيغة تسمح لتنظيم عملهم بصورة أشمل، لكنها بالتأكيد لا تشمل مكونات العمل السياسي العام، وهو ما يؤكد ضرورة حوار وطني واسع يشمل من هم فرقاء حقيقة، لأن إصلاح البلد هدف أسمى من المكاسب الشخصية، ولعل ورقة جمعية الشفافية لمثل هذا الحوار تشكل أرضية مناسبة للبناء عليها بصورة عاجلة، فهل نرى تجاوبا مع ذلك؟

اللهم اني بلغت.

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.