من الواضح أن الأغلبية المطلقة في الشارع الكويتي لم تعد تقبل طريقة أداء وأسلوب عمل كل من نواب «المعارضة» و«الموالاة» معاً، وما آلت إليه أمورهم، إذ أضاع بعضهم البوصلة فأصبح مشتتاً في مساره لا يعرف إلى أين يتجه، ومع من يقف، واضطر الآخر إلى رفع سقف المطالب بعشوائية يغلب عليها الطابع العاطفي لا الفكري، فانقسم على بعضه إلى درجة تراجع بعضهم وضجر الآخر. وأمام هذا المشهد نلمس جميعا بما فينا «المعارضة» و«الموالاة» حالة من الفراغ السياسي الذي لم يملأه أحد بعد، وتعطش الشارع لرؤية جديد مختلف عما هو معروض اليوم في الساحة من تقسيمات.
من هنا أفهم سبب ولادة «مؤتمر الحوار الوطني» من رحم «الموالاة»، واجتماعهم بديوان النائب الأسبق فيصل الدويش، ثم إعداد ورقة رؤى وأهداف ترتكز على خلق جبهة لمواجهة الفساد والفتن في الحكومة والمجتمع، وعقد مؤتمرهم بتاريخ 8 أكتوبر القادم. ومن هنا أفهم أيضا ولادة «الجبهة الوطنية» من رحم «المعارضة»، وتحديداً من ديوان النائب المستقيل علي الدقباسي، وتشكيل لجنة تحضيرية وضعت أهدافها لصون وحماية المكتسبات الدستورية، من خلال عمل جماعي يشمل شخصيات «وطنية» وقوى سياسية وطلابية ونقابات، ليجتمعوا اليوم الأحد على دراسة هذا المولود الجديد.
وبالرغم من أهمية ما نشر التجمعان من رؤى وأهداف جيّدة، ومن واجبنا حسن الظن بهما ومساعدتهما على النجاح خدمة لشعبنا الذي يستحق كل خير وتضحية، إلاّ أنني أحسب أن كلا التحركين لا يمكن لهما أن يسدا الفراغ السياسي الحاصل اليوم، لسبب بسيط جداً هو أن المتقدمين لتلك المبادرة لا يملكون مقومة المصالحة الوطنية، دون إعلان البراءة من سلوك التطرف والتطرف المقابل الذي وُصم به بعض نشطائهما. وهي الأرضية الأهم التي على المبادرين تهيئتها ومصارحة بعضهم البعض الآخر بها قبل الحديث عن المصالحة الوطنية.
فغريب أن يكرّس الوعلان حديثه أمام جمهور ساحة الإرادة مؤخرا لتمزيق المجتمع الكويتي، وضرب السلم الأهلي بلغة طائفية مقيتة، ولكن الأغرب ألا يلاقي خطابه الإقصائي الإلغائي الاستعلائي أي رد فعل سلبي من رموز المعارضة، بل جاء الاستحسان والتصفيق من بعض المتطرفين المجتمعين هناك! وغريب أن يتبنّى الطبطبائي والسلطان سلسلة ممنهجة من التغريدات الفئوية والتصريحات الطائفية، ولكن الأغرب هو صمت كافة نواب ورموز المعارضة، ناهيك عن عدم وجود أي جهد من قبل أحد منهم لإيقاف جريمة نحر الوحدة الوطنية، وقتل السلم الأهلي أمام مرأى ومسمع الجميع. وتلك أمثلة من عشرات السلوكيات الشاذة التي يقوم بها الكثير من رموز المعارضة دون استنكار أو امتعاض من بقية رموزهم أو جمهورهم!
فكيف يمكن لهؤلاء اليوم الحديث عن جبهة وطنية وفيها من يحمل فايروس الفتنة الطائفية في ذاته؟! وكيف لهكذا مشروع قيمي مهم أن ينجح دون أن تبادر أطراف في المعارضة إلى محاربة هذا الوباء العفن الذي ينشره بعضهم في الناس؟! وكذلك الحال مع «المولاة» إذ لا يمكن أن ينجح مشروع المصالحة الوطنية دون أن يعلن الإخوة المتصدون عن براءتهم من لغة التسقيط والتجريح التي يمارسها بعض رموز الموالاة ضد الآخر المختلف.
وبصراحة أكثر نقولها إذا أراد الإخوة المبادرون إلى خلق مشروع جامع يخدم الوطن وأبناءه، وينتشلهم من هذا العبث السياسي القائم اليوم، سواء من «المعارضة» أو «الموالاة»، فإن الخطوة الأولى التي تبعث على الثقة والارتياح تكمن في إعلان الجميع البراءة من السلوك الإقصائي والإلغائي الذي يثير الفتن الطائفية والقبلية والفئوية بين أبناء المجتمع، وأن يتم استبعاد رموزها قدر الإمكان عن الكابينة الأولى من قطار الحركة باتجاه جمع الناس على كلمة سواء.
فالمستنقع الآسن الذي عاشت به «المعارضة» و»الموالاة» طيلة السنوات الأربع الماضية، وما تولدت عنه من مناخ غاية في السلبية، لا يمكن أن يكون هو ذاته الحاضن لجبهات أو مؤتمرات أو تجمعات جديدة ولدت لتنتشل الحياة السياسية من جمودها.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق