يستمر العراك الشرس ويتنامى وصولا إلى خط اللارجعة، وفي خط متواز، ولكنه باتجاه عكسي ينحدر الفكر التنموي باختلاف اشكاله، فوائض مالية اكبر من الكبيرة يقابلها عجز في العلاج، عجز في تطوير المناهج الدراسية، عجز في القدرة على استيعاب مخرجات الثانوية العامة وما يعادلها، عجز في تطبيق القانون، عجز في تخفيف حدة زحام المرور، عجز في الحد من ظاهرة مجتمعية خطرة «الطلاق»، عجز في إيصال الرسالة السامية للمسجد، عجز في مكافحة السمنة، عجز.. عجز في كل شيء.
بعدين ماذا يراد لهذا البلد؟ الذي كان متألقا وخلاقا لست من يُنظر ويقول تلك حصيلة طبيعية لنمط التغيير المالي والاجتماعي والرفاه المجتمعي، لا ليس لذلك علاقة لا بالنفط ومشتقاته ولا للغزو الغاشم، كان ذلك التألق قبل النفط بمراحل زمنية بعيدة ارثاً يصلح ان يكون منهجا يدرس للأجيال المقبلة: صدق في التعامل، حرص غير عادي على علاقات الجيرة، فكر اقتصادي سابق لزمانه، فكر ثقافي ادب وشعر وقصة اشياء كثيرة من الصعب حصرها.
نرجع لنقول ونكرر الى درجة الملل: هل هذه هي الضريبة التي ندفعها لوطن اجزل لنا العطاء؟ كلنا شركاء في السعي لقتل الوطن بغض النظر عن حجم الشراكة، هل ترون معي ان الابناء والاحفاد اصبح ديدنهم المظهر الخارجي: سكن، سيارة، سفر، لبس؟ حتى شنط المدارس يقابلها خواء فكري ووطني لا يحتمل، بلد لا يتجاوز عدد اهله مليون نسمة ومساحته لا تزيد على ثمانية عشر ألف كلم2، مشاكلنا وقضايانا ومساحة خلافاتنا أكبر بكثير من عددنا ومساحة ارضنا، لا اطمح ولا يخطر في البال ان نكون شركاء لحصد نتائج رحلة المريخ التي تمت بنجاح مبهر، ولا اريد ايضا ان نكون شركاء مع مهندسي الهندسة الوراثية وخطواتهم الجادة في صناعة اللحوم الاصطناعية. ثلاثة اشياء وليس اربعة تعيدنا لإرثنا الذي اصبح تاريخا، وتعيدنا الى الرشد اذا كنا نحب هذا الوطن الغالي.
أولا: يجب ويجب ان يعاد النظر في مناهجنا الدراسية، لتواكب ما هو موجود في العالم المتقدم.
ثانيا: للمسجد مكانة ليست موضع خلاف، الخلاف هو ان المسجد مقصر، ولم يؤد رسالته، ولم يحاول علاج مشاكلنا المجتمعية التي هي في صميم رسالته السمحة التي تصلح لكل مكان وزمان.
ثالثا: وهو الاهم «القانون»، ووجوب احترامه واحترام اهله، وعدم كسره ليؤدب من دون رحمة من يعتدي على المدرس او الطبيب او رجل الامن والراشي والمرتشي.
ثلاث قضايا فقط لو احترمناها سوف نرى كل شعوب الارض تحترمنا، بدلا مما نشاهده من امتهان ومهانة اينما ولينا وجوهنا.
قبل ان اختم، ونحن على ابواب انتخابات قريبة، اقول لا يوجد فرق بين من يدخل ميدان السياسة طمعا في الوظائف لأهله واصدقائه، او من يدخلها طمعا فيما سوف يربحه من مال وجاه. مثل هؤلاء يجب ألا يكون لهم مكان في الحياة العامة، فنظام الغنائم لا يتولد منه الا الراشي والمرتشي، كذلك الامة سوف تمتهن الضمير العام اذا سمحت لرجال ونساء الحياة العامة الاستمرار في افعال تؤذي حياتنا العامة وتحط من قدرها.
والله وحده الموفق.
سامي الإبراهيم
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق