البيان المشترك للمنبر الديمقراطي والتحالف الوطني بشأن التطورات التي تشهدها الساحة السياسية تضمن عددا من النقاط المفترض قراءتها جيدا من الجانبين الحكومي والشعبي على حد سواء، حتى لا نفاجأ بأمور يمكن أن تكون مدخلا نحو ضياع وطن بذل الأجداد والآباء جهودهم حتى يبقى كما هو، وطن النهار والحرية والعدل وتكافؤ الفرص بين المواطنين.
هذا البيان يمكن أن يكون فرصة سانحة للتداعي بين القوى السياسية لينضم بالإضافة إلى المنبر الحركة الدستورية الإسلامية والتحالف الإسلامي الوطني والتجمع الإسلامي السلفي، في لقاء تحدد فيه الخطوات المفترضة للمرحلة المقبلة، بعدما بات واضحا حجم المأزق الذي تعيشه البلاد بسبب غلبة الأجواء الانتخابية على الطروحات العقلانية.
الدستور هو المرجع لأي حراك سياسي، ولا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوز نصوصه أو استخدامها استخداما سلبيا، كما يجري على الساحة الآن، من أجل مصالح انتخابية ضيقة، لأننا في طريقنا إلى مثل هذا العمل نهشم -من دون أن ندري- أجواء الانفتاح والتعايش بين الطوائف والقبائل والعوائل التي تميزت بها بلادنا منذ نشوئها وحتى اليوم، وقد كرسها الدستور أيضا في تجربة فريدة قلّ أن تجد لها مثيلا في دول المنطقة.
هناك مجموعة تبذل جهدا ضمن تلك الأجواء، لكنها لا تعي أنها في خضم تلك الجهود تغامر بكل القيم التي بني عليها الدستور الكويتي، وهي أهمية وجود طرف أصيل في العملية السياسية المحلية، ووجود طرف يصحح أي انحرافات إذا وجدت من خلال المشاركة في اتخاذ القرار وليس الاستيلاء على مثل ذلك الدور والتمسك به وإقصاء الآخرين من أن يكونوا فاعلين على الساحة السياسية.
كنا ننتقد مثل ذلك النفس الإقصائي المناطقي عند بعض المجموعات السياسية، وإذا بنا دون أن ندري نتحول إلى شبيه لمثل النفس، عندما أصبح لنا دور رئيس في عملية المشاركة في اتخاذ القرار، وهو أمر بدلا من أن يثري العملية السياسية في البلاد كاد يطيح بها ليعيدنا مرة أخرى إلى ما قبل الدستور، وإلى أجواء مشاريع التشظي بدلا من المشاريع الوطنية.
بالأمس كانت قضايانا الحرية والشفافية والحفاظ على المال العام وأهمية تطوير العملية السياسية لتتماشى مع التطور على صعيد الاقتصاد والوضع الاجتماعي، واليوم قضايانا طائفية ومناطقية. بالأمس كانت قضايانا صراعا طبقيا ومحاولة لانتزاع حقوق الطبقة الوسطى من براثن الأسد البرجوازي، واليوم قضايانا مسجد شيعة وحسينية غير مرخصة، ودواوين خارج إطار الوحدات السكنية. بالأمس كان رموزنا في السياسة والاقتصاد والاجتماع يتحدثون عن هموم الوطن ومعاناة البسطاء، واليوم تحول العاملون في تلك القطاعات إلى واجهات تشعل حروبا بالوكالة.
الخروج من هذا المأزق يتطلب تكاتف الجهود، والحكومة في هذا الوضع ليست استثناء، بل عليها أن تكون في مقدمة الركب، لإنقاذ وطننا من مشروع يكاد يطيح بما تبقى من كل تلك الذكريات الجميلة، والتعايش بين الطوائف والقبائل والعوائل، وعلينا أن نتذكر دائما أن تنمية المفاهيم والقيم وتطويرها نحو الانفتاح السياسي والاقتصادي أفضل بكثير من تنمية «الكونكريت» التي يعتقد البعض خطأ أنها هي المعنية.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق