لمى عثمان: قبل السقوط

تحدث الأستاذ أحمد الديين من على منبر ساحة الإرادة عن عقلية المشيخة السلطوية، ونحن نتفق معه في كل حرف، ولكن نزيد على قوله أننا ابتلينا أيضاً بعقلية المشيخة السياسية، كما ابتلينا بعقلية المشيخة الدينية والقبلية والطائفية، وهو صراع لا يجعلنا ننتمي أو نقف في جبهة مع إحداهما، بل من الأجدر أن تكون هناك جبهة تؤمن حقيقةً بالدستور وتسعى قولاً وفعلاً إلى حمايته. فقد جربناهم كمشرعين، ولم نجنِ سوى التشريعات الإقصائية والطائفية والمحاربة للحريات، وهي النقاط التي ذكرها الأستاذ عبدالله النيباري في مقاله الأخير كملاحظات على خطاب بعض أعضاء الجبهة، مبرراً سبب اعتذاره وبعض التيارات الأخرى عن عدم الانضمام إلى “الجبهة الوطنية لحماية الدستور”… وقد وضع النقاط على الحروف، وعبّر عن آراء الكثيرين في فقدان الثقة بمصداقية “الأغلبية” في الالتزام بتنفيذ ما تضمنته الوثيقة، فهم الذين انشغلوا منذ اليوم الأول لوصولهم إلى المجلس بتسديد طعنات قاتلة للدستور الذي سقط مدرجاً بدمائه، ومازالت الخناجر بأيديهم تسيل منها دماء الدستور. ولو كانوا صادقين لما أهملوا قضايا الإصلاح الملحة كاستقلال القضاء وإصلاح قانون الانتخابات والتشريع لقوانين مكافحة الفساد. لذلك نحمّلهم المسؤولية كاملة عن هذا التردي والفشل والعجز، إذاً كيف نقف مع كتلة ليست أهلاً أو كفؤاً؟ لا يمكن أن يقف فكر تنويري حر مع جبهة ينتمي إليها خطاب استبدادي تخويني لا متسامح ومعادٍ لأبسط مقومات الدولة الديمقراطية الدستورية، بل عليه نبذ كل أنواع الاستبداد التي تشكل خطراً ماحقاً على الديمقراطية، فالديمقراطية ليست مجرد غاية، بل هي وسيلة لترسيخ حكم صالح رشيد ومجتمع ينعم بالحريات جميعها بلا انتقاء أو تجزئة. وهل يتحقق ذلك دون تكوين جبهة تحررية مستقلة عن العقليات المشيخية بكل أنواعها ساعية إلى الإصلاح السياسي وداعية إلى الإصلاح الديني على حد السواء؟ وهل يمكن الحديث عن إصلاح سياسي دون ترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان والأقليات وحرية الرأي والمعتقد؟ وهل هناك إصلاح سياسي دون أن يزامنه إصلاح ديني ينبذ التعصب والتطرف اللذين يدمران المجتمع ويقودانه إلى السقوط في الهاوية التي نقف على حافتها؟ *** كتب شهيد الكلمة د. فرج فودة قبل سنوات كتابه “قبل السقوط” محذراً من خطر تسييس الدين على الديمقراطية والدولة المدنية، إلا أن الرد على الكلمات جاء بالطلقات التي اخترقت جسده فأرداه المجرمون قتيلا… والمجرمون الحقيقيون هم “أعضاء ندوة علماء الأزهر” الذين أصدروا بياناً يكفره ويحذّر من الموافقة الرسمية على حزبه الجديد “حزب المستقبل”، ليدافعوا في المحاكمة عن القتلة ويشهدوا بأن جريمة هؤلاء المتهمين هي فقط الافتئات على السلطة، لأنه مستحق للقتل. هكذا بدم بارد يستحلون دم مفكر لا يملك سوى كلماته وجرأته في كشف حقائق تاريخية غائبة عنا في كتابه “الحقيقة الغائبة” مستعيناً بمصادر “الثقاة” في التراث الإسلامي التي يعتمدون عليها هم أنفسهم، فاتحاً بقراءته الجديدة أبواباً موصدة لم تألفها القلوب التي عليها أقفالها. يعفو اليوم الرئيس مرسي عن قاتل د. فرج فودة وهو أبوالعلا عبدربه وأعضاء آخرين من “الجماعة الإسلامية” المحكوم عليهم في قضايا قتل واغتيالات، الأمر الذي أثار غضب الحركات الثورية، لاسيما أن قرار الإفراج لم يشمل معتقلي الثورة المحبوسين ظلماً في السجون العسكرية، تلك الثورة التي اعتلى على ظهرها جماعة الإخوان وركب مرسي على أمواجها التي رمته على شاطئ السلطة، ها هو يخون شعاراتها في إرضائه للتيارات الأصولية وعفوه عن قتلتهم، فما هو تطبيق الشريعة التي يدّعون زوراً وبهتاناً إن لم تكن ممارساتهم عادلة ومنصفة؟ رحم الله د. فرج فودة الذي وقف بشجاعة وبسالة أمام “فوهة المدفع” مدافعاً عن الاجتهاد المستنير… سندين له بعد زمان بمناخ الحرية الذي دفع ثمنه باهظاً. *** تنطلق فعاليات الحملة الشبابية ضد التعصب اليوم الجمعة في الـ7 مساء في مجمع 360. شاركوا في حملة شباب ضد التعصب في تويتر.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.