معصومة: أغذية فاسدة.. وتُجَّار أكثر فساداً! ضمائر تقتات.. بالحرام

«53 طناً من النقانق تحتوي على لحوم الخنزير.. وشحومها معروضة للبيع للمستهلكين في الكويت»!

صدمني هذا العنوان الذي تصدّر الصفحة الأولى لإحدى الصحف الزميلة، لأنه ليس من نوع العناوين التي يمكن أن تمر على المرء مرور الريح على البلاط، من دون أن تترك أثراً.. بل هو على النقيض، يصيب من يعيشون على تراب هذه الأرض، من مواطنين ومقيمين، بالهلع والرعب على عدة صُعُد!

فالمسألة ليست تجارية فقط، ولا هي صحية وكفى، بل هي تتعلق بالعبث بالقيم الثقافية للبلد، والاستخفاف بعقائده الدينية، وانتهاك حرية الناس وحقوقهم الأساسية في اختيار ما يأكلونه وما ينصرفون عنه، وهي مخالفة جسيمة ترقى إلى حد «الخيانة العظمى» بالمفهوم الاجتماعي الثقافي وليس السياسي بالضرورة!

فعلى الرغم من احترامنا للمجتمعات والثقافات التي تبيح لحوم الخنزير، أو التي لا ترى غضاضة في تناولها، فإننا نتعجب من جرأة بعض التجار في بلدنا الذين يجرهم جشعهم للربح الحرام، إلى الاستهانة بمعتقداتنا، ويتصاغرون أمام جمع المال «السحت»، إلى حد أن ينجحوا في إدخال 53 ألف كيلو غرام من الأغذية المحرّمة (مكتوب عليها «ذبح حلال»)، كانت في طريقها إلى اقتحام بيوتنا، واعتلاء موائد طعامنا، لولا أن تمكن المفتشون المتخصصون من ضبطها، وبالطبع من المعروف وفق خبرات من ينهضون بعمليات الضبط أن كميات الأغذية المخالفة التي تفلت من رقابة الأجهزة الأمنية ربما كانت أضعاف ما يسقط في قبضتها، مما يشير إلى أن ضعاف النفوس من التجار قد يكونون أغرقوا البلاد بكميات أكبر بكثير من الكميات التي عثر عليها المفتشون في مخازن إحدى الشركات!

ولا شك في أن هذه الواقعة تثير كثيراً من علامات الاستفهام حول بلدنا وما يجري فيه، خصوصا في ظل حالة «السيولة» السياسية التي تجتاح البلد منذ فترة طويلة، جراء «الشد والإرخاء» بين الحكومة والبرلمان، وهذه هي النافذة الخلفية التي يقفز منها ضعاف النفوس، ليتلاعبوا بقيم المستهلكين ومعتقداتهم!

ويبدو أن الحكومة بات يتعين عليها أن تكشِّر عن أنيابها في مواجهة بعض التجار الجشعين، الذين لا يكتفون بابتزاز الآلاف من محدودي الدخل، برفع الأسعار، ويتجاسرون على إدخال أغذية فاسدة، أو غير صالحة للاستخدام الآدمي، تهدد الصغار والكبار، بل بلغ استهجانهم بالقانون والمجتمع معا حد إجبار الناس على تناول ما يخالف عقائدهم، وينتهك رغباتهم واختياراتهم، غير آبهين بقيم أو أخلاق!

وإذا لم تتخذ الأجهزة المسؤولة إجراءات قانونية مشددة تجاه هؤلاء العابثين من التجار أولا، ومن يسهلون لهم اختراق القانون، في المنافذ الجمركية والجهات الصحية ثانيا، وتفعيل «الرقابة المدنية» ثالثا، فإن مسلسل الغذاء الفاسد سوف يظل يتوالى سموما في بطوننا وأرباحا حراما في جيوب الجشعين، وسنبقى نحن في بلدنا غير آمنين على صحتنا، بل حتى على عقائدنا التي صارت نهبا لضمائر لا تستريح.. إلا باحتساء دماء الآخرين!

أ.د. معصومة أحمد إبراهيم

Dr.masoumah@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.