من ينظر إلى المشهد السياسي المحلي من بعيد، يجد أفكارا أكل عليها الدهر وشرب، رغم كل ذلك التطور الذي أصاب السياسة والإعلام على حد سواء، وإذا كنا نرى في الحكومة جمودا من الصعب تغييره إلا من خلال جهود جبارة، فإننا نستغرب أن تصاب المعارضة بمثل ذلك الجمود حتى وصل بها الأمر إلى اجترار الأفكار البالية كما يجتر البعير ما في معدته ليخفف من وطأة رمقه.
المعارضة يفترض بها أن تكون متحررة من كل تلك القيود المفروضة على الحكومة، فهي نتاج صناديق الاقتراع وثمرة خيارات الناخبين، ولا يستطيع أحد أن يملي عليها ما تقوم به سوى ضميرها، لكن ما نراه من تلك المعارضة لا يتوافق وأجواء نشوئها، مجرد تخبط وطروحات تعلن اليوم ويتراجع عنها الجميع في اليوم اللاحق، وتردد وارتباك ليس حريا بمعارضة بمثل هذا الحجم والشخوص.
جميعنا نعلم أن من حق الحكومة اللجوء إلى المحكمة الدستورية للتثبت من دستورية أي قانون.. وهذا الحق كفله الدستور أيضا لمجلس الأمة، وفي مرتبة ثالثة يحق للمواطنين البسطاء اللجوء إلى المحكمة الدستورية بشرط أن تكون البداية في دائرة قضائية أخرى، وعندما ترى تلك الدائرة أن هناك مصلحة لأي مدع تستطيع إحالة القضية إلى المحكمة الدستورية وهو ما حصل مع المحامي الحميدي السبيعي عندما أسقط بنودا غير دستورية من قانون التجمعات.
الحكومة ذهبت بإجراء التصويت على الميزانيات العامة ورفضها لشرط الأثر الرجعي عند التصديق عليها، وكسبت القضية في ذلك اليوم، ولم نر احتجاجا على هذا المسلك سوى احتجاج خجول من النائب مسلم البراك، وها هي الميزانية العامة للدولة تقر بأغلبية بسيطة منذ ذلك اليوم، كما ذهبت الحكومة بمواد أخرى تتعلق بالاستجوابات للمحكمة الدستورية لكنها خسرت قضاياها في هذا الجانب، ولم يحتجّ أحد أيضا، فما الذي بدل الحال وأصبح اللجوء للمحكمة الدستورية أمرا جللا؟
النواب كانوا يهددون في المجالس الماضية باللجوء إلى المحكمة الدستورية فيما يتعلق بشرط وجود الحكومة لشرعية الجلسات، ومع ذلك ظل الإجراء الوحيد هو التهديد فقط من دون خطوات عملية، وكأنما هناك خوف وتردد من الذهاب للمحكمة، وفي أجواء التهديد تلك لم نر أحدا يتحدث عن دستورين أحدهما يتضمن النص والآخر مفسر له.
الشعب الكويتي يعرف التعسف عندما يراه سواء كان ذلك من الحكومة أو من مجلس الأمة، أو من مجموعة في مجلس الأمة تصر على أنها وحدها من يمتلك الحقيقة فيما الآخرون لا يملكون حتى جزءا منها، ولا يقبل أي تعسف من أي طرف كان، لكن ليست مشكلة الشعب الكويتي أن هناك نائبا لا يستطيع الحصول على مقعد في البرلمان إلا من خلال التأزيم، وليست مشكلة الشعب الكويتي مناصب مجلس الأمة، فما يريده الشعب الكويتي نواب أنقياء قادرون على ترجمة أحلامهم وطموحاتهم ومسألة عودتهم من عدمها تعود للشعب وحده بشرط أن يصدقوه.
المصدر جريدة الكويتية
الأغلبية ليس لها رؤية واضحة وأعمالها عباره عن ردود أفعال .