خالد الجنفاوي: أزمة التعددية والرأي الآخر

“وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ” (الروم 22 ).
أعتقد أن من يستمر وحتى الآن يعتنق خطابات تأجيجية ترتكز في أساسها على أهواء شخصية طائفية أوطبقية أو قبلية ضيقة يرفض تقبل الرأي الآخر. فمن يتعصب لرأيه الشخصي بينما يحاول نفي “تعددية” مجتمعه يرفض “الرأي الآخر” ولو إدعى عكس ذلك. ولكن ما الذي يدفع أحدهم للرفض الشبه دائم للآراء المعارضة لرأيه الشخصي, وما الذي سيشجعه على تقبلها?
أعتقد أن ما يحكم تقبل الفرد أو رفضه لمشروعية آراء الآخرين هو قبوله التام أو رفضه التام أيضاً للحياة المدنية والعيش في مجتمع مدني ديمقراطي وتعددي يتساوى فيه جميع المواطنين في الحقوق والواجبات والمسؤوليات الوطنية.
على سبيل المثال, يصعب تبرير الرفض الإقصائي للرأي الآخر عن طريق لوم من يحمله أنه يمثل توجهاً سياسياً أو ثقافياً معيناً ربما يتناقض مع الصالح العام فاحدى آليات الحفاظ على الصالح المجتمعي العام في عالم اليوم هي المساهمة في صيانة التعددية الاجتماعية. وإذا كانت التعددية العرقية والثقافية والمذهبية هي المرتكز الأصيل للمجتمع الديمقراطي المدني المعاصر, فحري بالفرد الديمقراطي فعلاً قبول حتمية اختلاف الآراء. فلا يمكن أن يتعامل أحدهم وبشكل شخصاني وانتقائي للغاية مع الآليات الديمقراطية للمجتمع المدني: فمن يقبل مسؤوليات العيش في مجتمع مدني, منظم ويحترم فيه جميع الأفراد القانون عليه تقبل كل استحقاقاته, وبخاصة تلك التي ربما تبدو تتناقض مع أهوائه الشخصية.
بل أعتقد أن بعض المجتمعات الشرق أوسطية في عالمنا المعاصر يبدو انها تمر حالياً بأزمات فكرية وثقافية تاريخية, وبخاصة في ما يتعلق بتقبل الرأي الآخر وقبول حتمية تعددية المجتمع. فلا يمكن في أي حال من الأحوال أن يتم استرجاع طرق تفكير ماضوية ترفض الرأي الآخر والتعددية العرقية والدينية والمذهبية واللغوية في المجتمع الإنساني. ومحاولة إرغام الآخرين على قبولها, من دون معارضة منهم. فلن تجدي نفعاً الخطابات التأجيجية والتفريقية في تغييب وقائع عالمنا المعاصر: توجهه نحو تعزيز الحريات الشخصية الفردية وتكريس الديمقراطيات البناءة وإتاحة الفرص المتساوية لكل الأفراد رغم اختلافهم وتمكينهم من عيش حياة إنسانية متكاملة ومواطنة حقة وعصرية في مجتمعاتهم الوطنية: تقبل الرأي الآخر وقبول التعددية في المجتمع المعاصر أصبحت بشكل أو بآخر تحصيل حاصل لما يحدث حالياً في عالمنا الواسع من تطورات اقتصادية وسياسية وثقافية هائلة. فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.