حمد العنزي: القبيضة أرحم منكم

حسناً فعلت جمعية الخريجين بتبنيها ملتقى النهضة الثالث الذي أقيم تحت عنوان “المجتمع المدني… الوسيلة والغاية”، مقدمةً بذلك نموذجا لصلابة الموقف فيما يتعلق بحرية التفكير والتعبير، وأنها خطوط حمراء لا يجوز لكائن من كان أن يتجاوزها ليفرض رؤيته وفهمه الخاص على الآخرين، ولم أطرب لعبارة قيلت كما طربت للعبارة الجريئة التي صدرت من رئيس جمعية الخريجين سعود العنزي: “سنستضيف ملتقى النهضة ولا يحق لأحد وزيراً أو نائباً التدخل في عمل مؤسسات المجتمع المدني، وأقول لهايف: “معصي عليك توقف الملتقى واللي ما تطوله بإيدك واصله برجولك”. شجاعة وصلابة انتظرناها طويلا!
والنائب محمد هايف وبعض من صحبه فيما يبدو لا يزالون يعيشون نشوة الانتصار في الانتخابات، وتسيطر عليهم فكرة أن الأغلبية النيابية قادرة على تغيير ما تشاء من قوانين وأعراف وطبيعة حياة لمجتمع عرف عنه التعددية وقبول الرأي الآخر، فبعد أن عرض هو وكتلته النيابية مشاريع قوانينهم “الرائعة” من منع بناء للكنائس ومقترح لقانون الحشمة والحجاب، وتغيير للمادة 79 من الدستور، ثم التحريض على إغلاق معرض فني لأحد الفنانات، تمادوا في الأمر ليحاولوا منع ملتقى شبابي يقام كل عام في دولة من دول الخليج يختار القائمون عليه فكرة معينة تعرض من خلالها آراء شتى تحمل العديد من التوجهات والرؤى المختلفة التي تثري موضوع النقاش وتعطي صورة متنوعة الزوايا والألوان للفكرة، وهو أمر لا يستسيغه على ما يبدو قوم اعتادوا على اللون الواحد والزاوية الواحدة، واعتادوا على ممارسة الوصاية على الناس ليفرضوا عليهم ما يرونه صوابا وحدهم دون أدنى حق للآخرين في الاختلاف، وكأن الله الذي منح أهل اللحى عقولا لم يمنح لغيرهم مثلها، أو أفضل منها!
وبعد أن كانوا يصرخون قبل شهور مطالبين بالحفاظ على الدستور وبحقهم في الاجتماع وحريتهم في قول ما يشاؤون، يقومون اليوم بوأد بعض أهم ما جاء في الدستور من مواد، وهي المتعلقة بحرية الأفراد في التفكير والتعبير والاعتقاد بحجة واهية هي أن الملتقى يضم بعض الشخصيات المنحرفة الفكر والمعتقد الديني، وكأنما أصبح “فهمهم” للدين هو المسطرة والأساس الذي تقاس عليه الأمور، ومنه يأتي القبول والرفض لإقامة أي ملتقى ثقافي أو فكري، ويبدو والله أعلم أن قانون الحشمة الذي يرغبون في تقديمه لن يقتصر على شعور وسيقان وأذرع المراهقين والشباب، بل سيطول أفكارهم ومعتقداتهم ورؤاهم، ويفرض عليها لبس الحجاب… أو النقاب إن لزم الأمر!
والجماعة على الأرجح لا يدركون ما يجري حولهم من تغيرات وتحولات، فالشعوب التي ثارت على الدكتاتوريات لم تثر لأجل لقمة العيش فقط، إنما ثارت على القمع والتفرد في الرأي وتحويل الشعوب إلى قطعان بشرية لا خيار لها، والمجتمعات العربية اليوم تعيش تحولات كبيرة في مفاهيم الحرية والتعددية وقبول الآخر، ونجاح الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة هنا وهناك ليس معناه رغبة من الشعوب في أن تسيطر مجاميع التخلف على تفكيرها ورؤيتها للحياة، إنما كان من الطبيعي أن تلجأ الشعوب بعد الثورة على الدكتاتور إلى أكثر المتضررين من حكمه لتمنحهم الفرصة، وتشاء الظروف أن يكون هؤلاء هم خصوم الدكتاتوريات العربية، لكن مصيرهم سيكون كمصير سلفهم إن اتبع أسلوب القمع واحتكار الرأي والتفرد فيه، وما جرى هناك انعكس هنا تأثرا بالبيئة المحيطة لكن على نطاق الانتخابات البرلمانية فقط، فإن استمر القوم في مسارهم القمعي وأولوياتهم الساذجة، فسوف يمنون بهزيمة مدوية في الانتخابات القادمة، فالشباب لم يقوموا بحراكهم من أجل الكنائس والحشمة والحجاب ومنع المعارض الفنية والملتقيات الفكرية! ومع أنه لم يمض على بدء أعمال المجلس الجديد أكثر من شهر لكن كثيرا من الناس باتوا يترحمون على مجلس “القبيضة” السابق ويرونه أرحم وأقل ضررا بكثير من مجلس “الخطيفة” الذين يريدون خطف إرادتنا وحرياتنا، والحق أن ملايين القبيضة التي نهبت أمرها هين وتعويضها سهل يتم في أيام، لكن فقدان الحريات وسيادة الفكر المتزمت والمتحجر أمر يصعب إصلاحه وثمنه باهظ للغاية، وإن حدث فربما تمضي عقود طويلة ليتعافى المجتمع من آثاره ونتائجه المدمرة، وإن كان هذا ما تنوون فعله، فأعيدوا لنا القبيضة بأسرع وقت… يرحمنا ويرحمكم الله!
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.