صلاح الفضلي: بعدو الجحش بستين

يروى في قصص التراث اللبناني أن شخصاً، لقبه أبو محمد، قرر الهجرة إلى إحدى الدول الأوروبية بعد أن سئم الأوضاع التعيسة في بلده من تدني الرواتب وسوء الخدمات وخاصة المواصلات منها، والتي يضطر معها الإنسان أن يستخدم الحمار والجحش في تنقلاته، ونتيجة لرخص الحمير في زمن أبو محمد كان الحمار يباع بستين ليرة. سافر أبو محمد إلى بلاد المهجر، وبعد ثلاثين سنة من الغربة شده الحنين للعودة إلى بلده، وقال في نفسه لعل الأوضاع تغيرت وتحسنت. رجع أبو محمد إلى لبنان فوجد الأمور على حالها، فالفوضى والمحسوبية والفساد ووسخ الشوارع منتشرة كما تركها. وبينما هو في طريقه إلى بيته مر بسوق بيع الجحوش والحمير، فأثار فضوله السؤال عن سعر «الجحش» وهل مازال على سعره القديم بستين ليرة، فسأل بائع «الجحوش»: «دخلك أديش سعر الجحش؟»، فرد البائع «الجحش بستين»، فضحك أبو محمد ساخراً وهو يقول «شو بعدو الجحش بستين». هذا المثل يطلق عندما تبقى الأمور على حالها لفترة طويلة دون تغيير.
هذا المثل ينطبق علينا في الكويت، فالسنوات تمر تباعاً دون أن تتغير طبيعة المشاكل الخدماتية أو تتحسن، فالزحمة التي يشتكي منها الجميع مازالت على حالها، بل ازدادت سوءاً، ومشاكل قبول الطلاب في الجامعة والشعب المغلقة ومتطلبات المدارس وعدم جهوزيتها وسوء المناهج الدراسية، أمور تتكرر سنة بعد أخرى، ويمكنك أن تختار أي مرفق آخر لتجد المثل ينطبق عليه. وكذلك الحال مع الوضع السياسي. كل ذلك يدل على حالة الجمود والشلل التي تعيشها البلد بشكل عام.
ما دمنا نعيش في أجواء الترقب لحكم المحكمة الدستورية اليوم في قضية الدوائر الانتخابية يتبدى شكل آخر من أشكال الجمود في الحالة الكويتية، فعلى الرغم من استنفار «الأغلبية» ودعوتهم لتجمع جماهيري حاشد عشية صدور حكم المحكمة الدستورية، وتهديدهم بمقاطعة الانتخابات إذا ما تفردت السلطة بتعديل الدوائر بمرسوم ضرورة، فإن هذا التهديد يبدو مبالغاً فيه كثيراً ولا أعتقد أنه سوف يكون له تطبيق على أرض الواقع، فأنا على قناعة أن كتلة «الأغلبية» لن تتفق على مقاطعة الانتخابات لأن الغالبية العظمى من نواب الأغلبية آخر همهم الحفاظ على الدستور، وما يقولونه من خطب وشعارات رنانة لا يعدو عن كونه مجرد لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت مصلحتهم الانتخابية، ولكن إذا تعرضت مصلحتهم للخطر فسيضربون بالدستور وكتلة الأغلبية عرض الجدار.
قرار مقاطعة الانتخابات -في حال حدث- سوف يكون الإعلان الرسمي لتفكك كتلة الأغلبية وتمزقها إرباً إربا، وإذا تم اتخاذ القرار ففي أحسن الأحوال لن يصمد على قرار المقاطعة أكثر من خمسة أشخاص، ولكن أغلب الظن ستجد الكتلة الأعذار الكثيرة للتراجع عن هذه الخطوة. قرار مقاطعة الانتخابات في حال تفردت الحكومة بتعديل الدوائر هو المحك الحقيقي لمصداقية نواب «الأغلبية» في الدفاع عن الدستور كما يزعمون، وأنا على يقين بأن أغلبهم سيرسب في هذا الاختبار، والوعد قدام.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.