سامي خليفة: خطوات المعارضة السبع

أيا كان حكم المحكمة الدستورية اليوم، أجد من المهم قراءة سلوك المعارضة لمعرفة مدى التعثر في خطواتها والتخبط في قراراتها. فمنذ إحالة الحكومة قانون الدوائر الانتخابية للمحكمة من أجل البت في مدى تناقضها مع دستور الدولة، قرّرت المعارضة تفعيل جملة من الخطوات غير المدروسة- والتي يغلب عليها الطابع الانفعالي- بهدف ردع الحكومة عن خطوة الإحالة وإجبارها على سحب الدعوة. تلك الخطة يمكن إيجازها وتقييم نقاطها السبع الواضحة في الآتي:
أولا: رفع سقف المطالب إلى الإمارة الدستورية والحكومة الشعبية المنتخبة، ثم التراجع نوعا ما عنها بسبب عدم وضوحها وضعف الاستجابة من داخل وخارج المعارضة نفسها، أدى إلى ارتباك الخطاب المطلبي ومبانيه الفلسفية!
ثانيا: فشل ندوات ساحة الإرادة بسبب ضعف الإقبال الجماهيري، ومقاطعة بعض القوى الرئيسة في المعارضة لها، وعدم الانسجام في كلمات المتحدثين إلى درجة شطط أحدهم ليستفرغ عنصريته وطائفيته البغيضة وسط استهجان وامتعاض الناس، وتلك مفردة جعلت المعارضة في موقع حرج ولا يمكن أن تكون مؤهلة لتمثيل كل الشعب!
ثالثا: فشل إعلان النزول إلى الشارع والمبيت في ساحة الإرادة، وذلك بعد انسحاب بعض رموز المعارضة وعدم تأييدهم تلك الخطوة، وخاصة أن في ذلك تأثيراً مباشراً على السلطة القضائية في وقت يعتبر فصل السلطات مبدأ أصيلا في دستور الدولة، وتلك خطوة تراجعية تدل على أن المعارضة لم تعد كتلة واحدة منسجمة!
رابعاً: فشل فكرة الحوارات السياسية في ساحة الإرادة التي كانت تهدف إلى جلب الناس وملء الساحة، والاكتفاء بندوة يتيمة بلا حضور تقريباً، مما انعكس سلباً على كلمات الضيوف «جوهر والنيباري» اللذين أكدا أن ساحة الإرادة هي للجميع وليست لفئة واحدة، وهي رسالة ترمز إلى الانقسام الشديد الحاصل في المعارضة!
خامسا: فشل حملة التوقيع على وثيقة شعبية تدين خطاب الكراهية، لسببين أساسيين، هما أن المتهم الأول والأبرز في إشاعة خطاب الكراهية هم بعض رموز المعارضة اليوم، وعدم قناعة الناس في الذهاب لساحة الإرادة من أجل التوقيع على وثيقة لا يمكن تبريرها إلا كونها حلقة من سلسلة التكتيكات التي يراد ملء ساحة الإرادة بالناس من خلالها!
سادسا: عدم تفاعل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات العامة مع فكرة تأسيس الجبهة الوطنية لحماية الدستور، وذلك لولادة الجبهة من رحم المعارضة، مما يعد اصطفافا أفقدها مقوّمة أن تكون فكرة محايدة يمكن أن تسبح في بحر الانقسام السياسي الحاصل في البلاد لتشكل فكرة جاذبة، وأيضا بسبب الانطباع بأن ما يجري هو تكتيك سياسي يراد به أن يقسم الأطراف الأخرى المصطفة في المعسكر المقابل!
سابعا: تبرير الاعتصام الجماهيري الأخير في ساحة الإرادة ليلة الإعلان عن حكم المحكمة الدستورية لم يكن مقنعا للشعب، كونه يأتي كمحاولة للتأثير على الحكم القضائي، وتلك مسألة تتناقض مع مبدأ فصل السلطات من جانب، وشعار «إلا الدستور» الذي رفعه أعضاء المعارضة منذ بداية مجلس 2009 وإلى اليوم من الجانب الآخر.
لذا، وأمام هذا المشهد المضطرب لسلوك المعارضة منذ الإحالة للمحكمة الدستورية وحتى يوم نطق الحكم، يمكن إطلاق تسمية الفشل والتراجع على تلك الفترة المحدودة، وأحسب أن سبب فشل المعارضة في تلك الفترة أنها استغلت قضية غير مقنعة بتاتاً في طلب المساندة من الشارع، وهذا يدل على أن رموز المعارضة ليسوا ذات نظرة ثاقبة، بل تنقصهم الخبرة والحصافة والشعور المسؤول. فالمعارضة السياسية الراشدة هي التي تستطيع أن تنسجم تماما مع إرادة الشارع فتعبر عنه كما يشتهي هو، لا أن تسعى لجرّه عنوة إلى ما تبتغيه هي.
وآخر عزائنا للحكومة التي لم تستطع استثمار هذا الضعف والتراجع في شعبية المعارضة لتأتي بمبادرة إنقاذية للوضع «المزري» الذي نعيشه جميعا.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.