حسن كرم: الإسلاميون والتهافت على القيادات التربوية

منذ ان انشرعت الابواب في سبعينيات القرن الماضي لتيارات الاسلامي السياسي للتغلغل في مفاصل الدولة الكويتية وعلى الاخص وفي مقدم تلك التيارات «الاخوان المسلمين» (الاكثر تنظيما وجاهزية) كان شغلهم الشاغل وهمهم الاول هو السيطرة على مرفقي التربية والشؤون الدينية، وعلى الرغم من أن الدولة (في ظني) كانت مدركة مقاصد ومرامي الاسلام السياسي للسيطرة على ذينك المرفقين (التربية والشؤون الدينية) الا انها (للاسف) تغاضت وتركت لهؤلاء التغلغل في ثنايا جهازي التربية والشؤون الاسلامية افقيا ورأسيا، ولا سيما على مستوى الجهاز التنفيذي، فيما كان الوزراء الذين يعينون على هاتين الوزارتين من غير المنتمين وعلى الارجح وزارة التربية الا ان ذلك لم يبرئ هؤلاء الوزراء من تلبيس تهمة الليبرالية وتغريب التعليم في الكويت، وكأن الليبرالية جريمة أو دنس لن يتطهر منه صاحبه حتى وان اغتسل في سبعة بحور، ففي مقال اخير تحت عنوان (وزير وتعليم وليبرال) للحدسي السيد مبارك الدويلة نشر في الزميلة (القبس) حيث ينعت سيطرة التيار الليبرالي على وزارة التربية منذ انشائها، وان هناك ضغوطا من الليبراليين على وزير التربية الحالي (المحافظ) لشغل المناصب التي شغرت من التيار الليبرالي «ولكن هيهات فالاسم الذي لا تنطبق عليه المعايير لا يدخل في قائمة المرشحين عند الوزير..».
بداية اتعجب من السيد الدويلة وهو الحدسي ان يتكلم بهذه الفوقية وهذه الثقة، وكأنه هو القيم على وزير التربية أو الناطق الرسمي باسم الوزير أو وضع نفسه مقام رئيس الوزراء الذي بيده صلاحية القبول أو الرفض للتعيينات الجديدة.. صحيح مثل ما يقال ان السيد الدويلة هو احد المقربين أو احد المستشارين لرئيس الوزراء وانه كان له دور في تزكية أو ترشيح بعض الوزراء غير ان كل ذلك لا يعني ان الدولة قد باتت في قبضته وانه هو الآمر الناهي..!! فالمناصب القيادية التربوية والتعليمية يفترض بل هو بالضرورة ان تكون وفقا للمعايير، ولكن اية معايير؟!! هل لمعايير حدس والاخوان والسلف أم للمعايير التربوية والادارية والكفاءة؟ وهل اذا توافرت تلك المعايير في مترشح «ليبرالي» على مترشح حدسي أو سلفي معناه ان هذا الليبرالي غير كفوء ولا تنطبق عليه المعايير لأنه ليس من ربعكم؟ هل هذا معيارك العادل الذي تزن به الكفاءات وكلنا ابناء وطن واحد..؟!!
واستطرادا في موضوع التربية والتعليم، فأقول ان التربية والتعليم ينبغي بل يجب ان يبقيا خارج الصراع الحزبي وخارج الاستقطابات السياسية أو الفئوية والواسطات وغير ذلك، لقد دُمرت التربية والتعليم خلال الاربعين سنة الماضية أي منذ السبعينيات الماضية وبعبارة اصح واوضح منذ ان تغاضت الدولة عن تغلغل الاسلام السياسي الى مرافق التربية والتعليم في المدارس والجامعات والمعاهد وسعيهم لتغيير المناهج وتأليف الكتب لاسيما الدينية التي انتهجت على التشدد وتكفير الآخر.
ولعلم السيد مبارك الدويلة ولغيره من التيار الديني وبخاصة انه (الدويلة) المتخرج من احدى الجامعات الامريكية ليس هناك تعليم ليبرالي وتعليم غير ليبرالي، وانما هناك علوم مجردة ونظريات صامتة محايدة يتلقاها المتعلم هنا في الكويت وهناك في امريكا أو استراليا أو كندا، وان ابناءنا ليسوا اقل من نظرائهم في تلك البلدان حتى يقتصر تعليمهم على الحفظ ومسك الدفاتر والمبادئ الاولية.
ان التعليم يجب ان يكون ليبراليا منفتحا والقائمون على التعليم يجب ان يكونوا منفتحين ومطلعين على العالم وخاصة على العالم الغربي والعلوم الغربية، فكيف نتطور ونسير مع الركب العالمي اذا تقوقعنا واكتفينا بـ«قَرأَ وزرع» أو «ابجد هوز»..؟!!
ان تعليمنا متخلف وجامعاتنا ومعاهدنا تخرج حملة شهادات لا كفاءات علمية، وما تدهور التعليم في الكويت الا من تدهور الوضع السياسي أولا وتغلغل التيارات الاسلامية المتشددة في ثنايا ومفاصل الادارات والمرافق والمدارس والكليات التعليمية.. ثانيا.
نريد التعليم في مدارسنا ان يعود الى اصالته يوم لم يكن الطلاب في الفصل الواحد يشعرون بانتمائهم الديني أو المذهبي أو الفئوي أو القبلي، يوم كنا نتلقى علومنا الدينية في التربية الاسلامية ولم نشعر بالحساسية أو الاحراج لأنه لم يكن هناك في المناهج الدينية ما يكرس التفرقة المذهبية، فلقد كانت الكتب الدينية تأتينا مطبوعة وممنهجة وفقا للتعليم الازهري واما الآن وبفضل تدخل وتغلغل الاسلاميين المتشددين تعاطت الكتب الدينية (التربية الاسلامية) بما يكرس التفرقة وتكفير الآخر، هل يرضى مبارك الدويلة ان يسأل اطفال في مرحلة الحضانة والرياض بعضهم بعضا انت سني والا شيعي، انت بدوي ولا حضري، انت من أي قبيلة؟! هذا ما اوصلتم اليه التعليم يا عزيزي يا بومعاذ، لقد دمرتم التعليم ودمرتم المجتمع ثم تتكلم عن المعايير واقصاء الليبراليين..؟!!
واخيرا اقول انه منذ الاربعين عاما الماضية لم يتول حقيبة التربية والتعليم وزير ليبرالي ما عدا المرحوم احمد الربعي الذي حاربتموه اشنع محاربة وحاولتم اقصاءه، لكنه يرحمه الله كان صلدا وعنيدا ومقتدرا في منصبه.

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.