المؤسف أن موضوع تعديل المادة الثانية من الدستور لم يتوقف رغم فشل المحاولات الكثيرة السابقة التي اتضح خلالها صعوبة القيام بذلك، خصوصا أن التعديل سينسف الأسس التي قام عليها الدستور، ومنها من دون شك المادة الرابعة «الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الكبير».
منذ سنين طويلة ونحن في أخذ ورد بشأن تعديل المادة الثانية من الدستور ليكون نصها حسب طالبي التعديل ومؤيديهم “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، بدلا من نصها الحالي “مصدر رئيسي للتشريع”، إذ عشنا ولا نزال في حالة شدّ وجذب كان طرفاها الجماعات الإسلامية بتلاوينها كافة ومن يناصرها من جهة، والقوى المدنية ومن يناصرها من الجهة الأخرى.
حالة الشدّ والجذب هذه التي تدور حول تعديل المادة الثانية وصلت في أحايين كثيرة إلى حالات حادة من التجاذبات السياسية التي استخدمت في بعضها لهجة حادة وألفاظ قاسية، خاصة من قبل القوى الإسلامية ومناصريها، ووصلت في بعض الأحيان إلى اتهام من يعارض تعديل المادة الدستورية بالخروج من ملة الإسلام.
لقد وصلت محاولات تعديل المادة الثانية إلى تسع محاولات، إحداها وافق عليها مجلس الأمة لكن الحكومة أعادت الطلب بمرسوم مسبب (حسب نص المادة 66 من الدستور)، ولنا أن نتصور مقدار الجهد والوقت الذي بذل وحجم الخلافات السياسية التي نشبت أثناء هذه المحاولات وبعدها، وهو الأمر الذي ضيع الكثير من فرص التعاون بين الأطراف السياسية التي كان من الممكن الاستفادة منها للدفع في القضايا الأساسية المهمة الكفيلة بانتشالنا من حالة الدوران المرهقة والأزمة السياسية المستمرة.
المؤسف أن موضوع تعديل المادة الثانية من الدستور لم يتوقف رغم فشل المحاولات الكثيرة السابقة التي اتضح خلالها صعوبة القيام بذلك، خصوصا أن التعديل سينسف الأسس التي قام عليها الدستور، ومنها من دون شك المادة الرابعة “الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الكبير”.
فلقد أعلنت “كتلة العدالة” أخيرا أنها في صدد تقديم طلب تعديل جديد للمادة الثانية قد تستعيض عنه مؤقتا بطلب تعديل المادة (79) من الدستور رغم أن النص الحالي لا يمنع اقتراح أسلمة القوانين، وهو الأمر الذي سيفتح باب الجدل العقيم مجددا، وسيجعلنا نعود إلى حالات الشد والجذب والخلافات السياسية الجانبية التي مررنا بها في السابق، والتي ستشغلنا عن مطالب الحراك الشعبي والشبابي في العام الماضي، والمتعلقة بالإصلاح السياسي ومكافحة الفساد.
وحيث إن الشيء بالشيء يذكر فإن “حركة النهضة في تونس”، وهي جزء من حركة “الإخوان المسلمين”، قد أعلنت أخيرا “أن الإسلام لن يكون المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور الجديد”، فماذا سيقول الآن دعاة تعديل المادتين (2 و79) عن “حركة النهضة”؟ هل ستتهم بأنها غير حريصة على تطبيق الشريعة الإسلامية؟ أم أنها ستتهم بأنها حركة ليبرالية، تغريبية، ماسونية… إلخ من التهم التي عادة ما توجه إلى من يعارض تعديل تلك المادتين؟!
بدر الديحاني
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق