قبل نحو اسبوعين كتبت مقالة في هذه الصفحة دعوت فيها الحكومة الكويتية الى عدم الرضوخ للضغوط من أجل فتح ابواب البلاد لاستقبال النازحين السوريين الهاربين من جحيم الحرب الدائرة هناك. واضفت انه اذا كان ولا بد فلتقدم الكويت المساعدات المالية للمنظمات الانسانية وبخاصة جمعية الهلال الأحمر الكويتي لتوفير الايواء الآمن للنازحين في أماكن قريبة من بلادهم بيد ان بعض القراء السوريين واخوة عرباً فهموا مقالتي على محمل آخر ويبدو انهم فهموها على انني ضد الوجود السوري في الكويت وهذا غير صحيح قطعياً. فالستون الف سوري المقيمون حالياً في الكويت والذين يساهمون مع الكويتيين وغيرهم من الوافدين في تنمية وتقدم الكويت اقدر على شرح ما دعوت اليه من غيرهم خاصة ان ما يجمع السوريين بالكويتيين ليس العمل وحسب وانما العلاقة الاخوية والانسانية وزيادة على ذلك فللسوريين دور مؤثر وواضح ولاسيما في قطاع الاعمار والتجارة وغيرهما من المجالات فعلى سبيل المثال اغلب تجارة البيع بالتجزئة وتجارة المواد الغذائية بالجملة والمفرق في الكويت بادارة وملكية سوريين.
هذه المقدمة اسوقها كي ازيل الفهم الخاطئ للمقالة وموقفنا من الازمة السورية وهي في الواقع محنة نسأل الله العلي القدير ان يعجل برفعها عن تلك البلاد وعلى الرغم من ذلك اعود لاقول ليست الكويت المكان المناسب لاستيعاب النازحين ولا للكويت خبرات سابقة للايواء والاغاثة الجماعية، فماذا لو نزح (50) الف انسان دفعة واحدة على الكويت، هل ثمة استعداد لاستقبالهم وايوائهم في المكان المناسب وهل يعود هؤلاء الى بلدانهم بمجرد سقوط النظام ان عودتهم بين عشية وضحاها وانما قد يطول عاماً او عامين او اكثر وهناك تجربة النازحين العراقيين الذين ما زالوا يرفضون العودة الى بلادهم على الرغم من توافر الاستقرار الأمني والمعيشي وحاجة البلاد الى ابنائها؟!!.
اقول هذا تكراراً ايضا بعد دعوة المعارض السوري والمقيم في ألمانيا السيد هيثم المالح الذي اجرت معه «الوطن» لقاء في مقر اقامته حيث دعا الحكومة الكويتية «لفتح الابواب للسوريين الهاربين من البطش والقتل والتعذيب»، فلعل دعوة السيد المالح عاطفية لا تنسجم مع الواقع الكويتي فللكويت امكانات محدودة بخلاف جيران سورية ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه لكن يمكن مساهمة الكويت مالياً في مجالات الاغاثة، وهو ما تقوم به حالياً كذلك مساهمات الجمعيات الغوثية وعلى الاخص الهلال الاحمر الكويتي للقيام بالاعمال الانسانية والاغاثية للسوريين النازحين في أماكن اقامتهم في تركيا والاردن والعراق ولبنان.
كنت اتمنى من السيد المالح بدلاً من دعوة الكويت لفتح ابوابها للسوريين دعوتها للتوسط وبذل مساعيها الحميدة لحل الازمة فالكويت الدولة الوحيدة المؤهلة للتحاور مع النظام والثوار في الوقت نفسه لانها وقفت في المنطقة الوسطى لا مع النظام ولا مع الثوار ولعلي اتصور هذا ما يتيح لها فتح خط مع الاثنين وتالياً لصاحب السمو الأمير حفظه الله ورعاه الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح تاريخ طويل ومشرف في اطفاء الازمات والحروب العربية العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر الحرب اليمنية والحرب الاهلية اللبنانية، والايلول الاسود والحرب العراقية الايرانية واخيراً وساطة سموه بين الشقيقتين سلطنة عمان ودولة الامارات، اثر الازمة الطارئة فعادت العلاقات بينهما على افضل حال.
يخطئ من يراهن ان الحرب في سورية ستنتهي قريباً بانتصار طرف على الطرف الآخر ويخطئ من يظن ان دخول قوات عربية او اجنبية سيقوي كفة الثوار على النظام، فالسنة والنصف من الحرب لم يسجل فيها الثوار انتصارات حقيقية على الارض ولم يهزم النظام الثوار وبغض النظر ان كانت هناك تدخلات لصالح النظام او الثوار، فلقد فشلت لغة السلاح فهل هناك لغة ارقى وأجل من لغة الحوار؟.
ان الساعين لحل الازمة عليهم ان يبحثوا عن النقاط المشتركة التي يمكن على ضوئها تقريب الرؤى والقاء السلاح والجنوح للسلم ووقف اراقة الدماء بين ابناء الوطن الواحد.
ان خطورة الازمة السورية لا تكمن في كونها حرباً دائرة بين الثوار والنظام وانما تكمن في التدخلات الخارجية واتساع رقعة القتال الذي يهدد بحرب أهلية، خصوصاً ان بوادر الانقسام الطائفي والعقدي باتت تظهر على الارض.
ان السؤال الأهم ليس من ينتصر على الآخر الثوار ام النظام انما متى تنتهي هذه الحرب .. فالخشية أن تتحول سورية الى صومال اخرى.. او ان تنتهي الى حرب منسية…!!
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق