لم يثبت، حتى الآن، أن الربيع العربي أو الإعصار الذي يجتاحنا من المحيط إلى الخليج ولا نعرف له مستقراً حتى اللحظة، قد صاحبه أي شكل من أشكال الوعي! فالثابت الوحيد الذي نجمع عليه ونشعر به، ونكاد نتفق عليه كعرب هو غموض المصير حيال ما جرى ويجري في قلب الشرق الأوسط.
وليس من قبيل التهويل القول، إن مآل أمرنا حتى الآن هو المجهول، خصوصاً ونحن نستحضر كشرق أوسطيين وجه شبه كبيراً بين تدابير الأمس وحياكة اليوم، من حيث الرائحة التآمرية، ومن حيث الطعم المرير، ومن حيث أجواء الغموض المريبة، حينما تفاهم الإنكليز والفرنسيون في السر على اقتسام الهلال الخصيب، وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي صدّقت عليها الإمبراطورية الروسية في ظل أجواء غاب عنها الوعي العربي بكل أشكاله.
إن جرعة الغموض، إذا جاز التعبير، هي ذاتها لم تتغير، حيث إنه، على الرغم من كل خيبات الأمل المتمثلة في «سايكس بيكو»، النكبة، والنكسة، فإن سكان الشرق الأصليين لم يطرأ عليهم أي تغيير أو تعديل حقيقي وملحوظ على مستوى نمو وعيهم الفكري وارتفاع وتيرة حراكهم الثقافي الجمعي!
أما على المستوى المكاني، فإنه لا مبالغة في القول إن المعالم تغيرت كثيراً، حيث لم يعد شرقنا خصباً فكرياً كما كان إبان القرن العشرين! كما أن القوميين بكل الوعي الذي كانوا يزعمونه، لم يعد لهم أثر يذكر على أرض الواقع، فيما ذهب المؤمنون بشتى الأيديولوجيات الغربية أدراج الرياح. وتغير اللاعبون الكبار (العثمانيون، الألمان، والقياصرة الروس، والاتحاد السوفيتي الشيوعي) ولم يعد لهم تقريباً أي وجود، وكل هذا يحدث ويدور من تحت لحانا، فيما وعينا ما زال يراوح!
وهكذا، فإنه نتيجة لاستمرار فوضانا الفكرية على كل الأصعدة (سايكس بيكو، القومية العربية، جامعة الدول العربية، الاتحادات الهزلية، المشاريع المشبوهة، هشاشة التراكيب السياسية). ونظراً لخوائنا الفكري وتراجعنا الثقافي، حتماً نفتقد المشروع السياسي الرصين! لذا، نحن ما زلنا نسير نحو المجهول أو نحو هاوية جديدة، نساق لها كما تساق القطعان!
وعليه، فإن الدولة بجميع أجهزتها ذات الصلة مطالبة بالسعي حثيثاً لدعم الحراك الثقافي، لينمو الوعي الفكري لدى الفرد الكويتي بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام، وذلك على أمل أن يتحصن المجتمع من الآفات المتمخضة عن شيوع فوضى اللاوعي وعلى رأسها آفة الغيبوبة الفكرية، ناهيك عن سد الفراغ وتضييق المجال على العابثين بتماسكنا الاجتماعي، ممن يمتهنون خطابات التشكيك والتخوين، ويشيعون من دون إدراك ربما ثقافة الكراهية، بدلاً من ثقافة الوحدة الوطنية.
لقد كانت مسألة تنمية الوعي لدى الفرد الكويتي مسألة أساسية تبنتها الدولة، وذلك عندما كان مسارا التعليم والتربية الوطنية يسيران بشكل متواز مع حركة التنوير وتثقيف المجتمع، وليس من شك، في أن العمل على تنمية الوعي الفكري لدى مجتمعاتنا بات ضرورة ملحة، على أمل أن ينتهي المطاف بعقولنا كصمام أمان، في ضوء حالة الإرباك وعدم الاستقرار التي تشهدها منطقتنا، مستذكرين ثمرة ذلك التوجه التوعوي التقدمي الذي ساد قبل تجربة الغزو الصدامي الغاشم، حينما برزت ثقافة أعمال العقل، وساعدت أثناء الغزو على التماسك والتلاحم الشعبي، والتكافل الاجتماعي، ووحدة المصير، وعلى إشاعة ثقافة قدرة العين المثقفة والواعية على هزيمة مخرز الجهل.
د. فهد العبدالمحسن
fahad31q8@hotmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق