سامي خليفة: وصمة سوداء ستلاحقك

ما جرى في مظاهرات تيماء من إهانة صارخة لحق الإنسان المواطن المحروم من هويته ظلماً وعدواناً لا يمكن أن يكون الملام فيه إلا وزير الداخلية وحده الذي يتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة في قرار استخدام العنف وإراقة الدماء وإهانة كرامات الناس بلا ذنب اقترفوه أو جريمة ارتكبوها، سوى أنهم اتبعوا أرقى أسلوب يمكن أن يتبعه أبناء مجتمع متحضر، وهو الاعتصام والتظاهر بطريقة سلمية متعارف عليها في الكويت قبل غيرها، من أجل تسليط الضوء على مشكلة قائمة والتعبير عنها بصورة واضحة وإيصال الرأي الآخر لكافة الجهات المسؤولة والمعنية في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وزير الداخلية وحده من حوّل تلك العملية الديمقراطية الراقية، من سمة بارزة تغبطنا عليها مجتمعات كثيرة، إلى نقطة سوداء داكنة- بل وصمة- في تاريخ الحكومة على الصعيدين الإنساني والحقوقي، وها هي وسائل الإعلام من شتى أنحاء المعمورة تتناقل السلوك غير المهذب الذي ظهر عليه رجال وزارة الداخلية أثناء تحملهم المسؤولية الأخلاقية والوطنية في حفظ الأمن وإنجاح تلك العملية الاحتجاجية الراقية التي يمارسها بعض أهلنا في التعبير عن سخطهم وامتعاضهم ورفضهم لأداء الدولة فيما يتعلق بملف الحقوق المدنية والقانونية للمواطنين المحرومين من الهوية والانتماء.
وزير الداخلية بقراره استخدام القوة المفرطة والسلوك المهين للناس قد وضع الكويت في موقع غاية في الحرج أمام المؤسسات الحقوقية الدولية والمنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، مفرطا بجهود كبيرة سعت إليها الحكومة نفسها- طيلة السنوات الثلاث الماضية- لتحسين صورة حقوق الإنسان في الكويت أمام تلك الجهات الإقليمية والدولية، وخاصة أن الكويت اليوم مطالبة أكثر من ذي قبل بتقديم تقارير دورية لجمعية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف تشير فيها إلى تحسن أداء مؤسسات الدولة المتعلقة باحترام حق الاعتصام والتظاهر وحرية التعبير عن الرأي، ناهيك عن تحقيق المطالب المشروعة التي ينادي بها أصحاب الضرر وأبناء القضية.
فالأخوة البدون، وبالرغم من الظلم الكبير الذي يتعرضون إليه من حرمان لأبسط حقوقهم المدنية وابتلاءات أخرى متعلقة بوعود المسؤولين الكاذبة والتسويف والمماطلة وقلة الأنصار واستماتة الدولة في تركيعهم وإذلالهم والتعامل معهم بلغة دونية فيها الكثير من الجوانب المحرّمة شرعا والمجرّمة قانونا والمستنكرة عرفا والمتنافية مع أبسط القيم والأخلاق في المجتمعات المحترمة، بالرغم من ذلك إلا أنهم كانوا ومازالوا محافظين على حراكهم السلمي وحرصهم على عدم تشويه سمعة الكويت في المحافل الدولية وعدم الخروج على القانون وعدم انتهاك حرمات وأملاك الدولة ومصالحها العامة.
لذا لا نصف هذا السلوك غير المهذب الذي جرى في تيماء مؤخراً إلا كونه وصمة سوداء في أداء وزير الداخلية ترسّخت في تاريخه السياسي وستلاحقه حتما في القادم من الأحداث، وقد تكون لها تبعات اجتماعية خطيرة على أتباع تلك الفئة المتضررة التي تشعر بظلم كبير، إذ مع سد المتنفس القانوني السليم باتباع سياسة القمع يصبح الأمر مبرراً عند البعض أن يتجه بعد ذلك إلى اتباع أساليب أخرى هدفها تقويض النظام العام والعياذ بالله! وهنا الخطورة إذ أجد أن الوزير كان عليه التحلي بالحكمة في المعالجة الإيجابية واتباع سياسة الصبر وسعة الصدر والسعي لاحتضان تلك الجموع عبر التعاطي المهذب معهم، لأن ذلك من شأنه أن يحافظ على أمن البلد وهو الأمر الذي نتمناه جميعا وتنشده الدولة، بل هي مهمة وزير الداخلية بالدرجة الأولى والأخيرة.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.