“وَلَوْ كُنْتَ فَظا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ” (ال عمران 159 )
أعتقد أن ارتقاء أو تدني “لغة الحوار” الديمقراطي في المجتمع المدني المعاصر يحكمهما عادة مستوى النضج الفكري للمشاركين في العملية الديمقراطية. فإذا تكرس في المجتمع الديمقراطي لغة حوار بناءة وهادفة سيدل ذلك على تطور أساليب الحوار الديمقراطي بين من يستخدمون حرية الرأي والتعبير المسؤولة. والعكس صحيح, فإذا تدنت لغة الحوار بين البعض وتمخضت غالباً عن نقد لاذع وشخصاني للطرف المعارض فسيدل ذلك على ضيقهم بالرأي الآخر. وربما رفض البعض لتنوع الآراء في مجتمعهم. الحوار الديمقراطي والبناء لا يؤصلة ولا يكرسه الأسلوب الهدام: “طقونا وشبعناهم شتايم” ! أي محاولة القضاء التام لفظياً وفكرياً وعاطفياً على الطرف الآخر المعارض بل ما سيرسخ الأساليب الديمقراطية الفاعلة والبناءة في المجتمع غلبة التسامح الديمقراطي, وتكرس قبول طوعي لدى أغلبية أعضاء المجتمع الوطني في تداول الآراء بشكل إيجابي بهدف العثور على حلول ناجحة لقضاياهم وتحدياتهم المشتركة.
على سبيل المثال, لا يفترض في أي وسيلة ديمقراطية أن ترسخ نزاعات ومماحكات شخصانية بين أعضاء المجتمع المدني. فأعضاء المجتمع الديمقراطي والذين يقبلون الطبيعة المدنية لمجتمعهم لا يميلون عادة لشخصنة تعارضهم الفكري أو ينحدرون لاستخدام لغة حوار سلبية تتناقض بشكل واضح مع استحقاقات الديمقراطية وفق معايير عالمنا المعاصر والمتمدن. بمعنى آخر, محاولة حشر وخلط المشاعر والعواطف الشخصية في الحوار الديمقراطي المدني بين مواطنين يتشاركون في نفس المسؤوليات والواجبات الاجتماعية سيؤدي لا محالة إلى تكريس ثقافة سلبية وهدامة, تفرق الآراء العامة بدلاً من توفيقها على أرضيات مشتركة. وتزرع مشاعر التباغض والخصومة بين من هم من المفروض أنهم ينتمون لبيئة وطنية واحدة ولمجتمع واحد يتشاركون فيه وبنفس المستوى في ولائهم وحسهم الوطني.
الديمقراطية البناءة من المفروض أن ترتكز دائماً على الأخذ والعطاء وأريحية تبادل الآراء المختلفة. أي قبول أغلبية أعضاء المجتمع لحتمية اختلاف آرائهم الشخصية حول مختلف قضاياهم المحلية. وإيمانهم التام انهم لن يصلوا لحلول عملية لتحدياتهم المشتركة ما لم يتفقوا أولاً على أرضيات وطنية مشتركة. فإذا اضمحلت “ثقافة الاختلاف” في البيئة المحلية ستبرز ظاهرة “طقونا وشبعناهم شتايم” ! وسيؤدي ذلك حتماً إلى نشر “مشاعر التباغض والخصومة” وتدني لغة الحوار الديمقراطي والعناد والتحدي بلا معنى وبلا فائدة لجميع المشاركين في العملية الديمقراطية. فلعل وعسى.
كاتب كويتي
khaledakjenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق