ربما كان الانطباع الأول لجلسة أمس بمناقشة استجواب النائب صالح عاشور لرئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك أنها أضافت مكسباً للديمقراطية الكويتية، فهي ثالث خطوة مهمة لمنصب رئيس الوزراء على مدى عشر سنوات، بعد فصل المنصب عن ولاية العهد 2003، وصعود الشيخ ناصر المحمد منصة الاستجواب في ديسمبر 2009.
ولكن المفاجأة الأهم كانت برد رئيس الوزراء على محاور الاستجواب بطريقة مهنية فنّد بها عدم اختصاص رئيس الوزراء دستورياً وسياسياً بمحاور الاستجواب، وهو ما لاقى قبولاً لدى كتلة الأغلبية واتفاقاً تاماً معه، حيث قال إن “الإيداعات المليونية” غير خاضعة لسلطته وصلاحياته كرئيس وزراء، وقال نصا “إن النظر في التعاملات البنكية المشبوهة للنواب أو غيرهم تختص بنظرها البنوك بحكم قانون غسيل الأموال، وعليه فلا مسؤولية لرئيس الوزراء على أي تجاوزات ترتكب تحت هذا القانون”، أما في محور “التحويلات الخارجية” فرد بأن “النيابة العامة هي المعنية بالنظر فيها نظراً لإحالة القضية إليها من قبل رئيس الوزراء السابق”، وبالتالي سقطت حجة مسؤولية رئيس الوزراء الدستورية عن المحورين اللذين كانا بالمناسبة محوري استجواب النواب مسلم البراك وفيصل المسلم وعبدالرحمن العنجري المقدم لرئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد في نوفمبر الماضي، لكن ذلك مرّ على الأغلبية النيابية بهدوء، وهي التي هددت قبل أربعة أشهر بضرورة مساءلة رئيس الوزراء على هذين الموضوعين ما بين انكشافهم أمام الشارع وتقلب مواقفهم من ذات القضايا بعد تغير شخوصها.
يوم أمس الأغلبية النيابية شعرت بالحرج، فهي بموقف صعب لا يمكنها معارضة أي استجواب يقدم من نوابها أو من نواب الأقلية، ولا تستطيع أيضا دعم الحكومة أو رئيسها، إضافة إلى أن استجواب أمس بشق “الإيداعات المليونية” ساهم في تبرئة ساحة النائب صالح عاشور سياسياً، كونه قدم استجوابا يدينه لكنه سقط فسقطت معه إدانته.
كتلة الأقلية بعد تقديم مناقشة استجواب رئيس الوزراء أمس، وتقديم النائب السيد حسين القلاف استجوابه لوزير الإعلام الشيخ محمد عبدالله المبارك يوم الأول من أمس، تستكمل نهج الأقلية السابقة والقائم على إحراج الأغلبية أمام الشارع من خلال تبني قضايا عادلة وشعبوية بهدف الضغط على نواب الأغلبية، وفتّ عضدهم، وخلق انقسام يؤدي إلى خلخلة الحكومة وإقالة الوزراء ورئيس الحكومة، وربما الدفع بحل مجلس الأمة والدعوة لانتخابات مبكرة، ناهيك عن لجوء نوابها إلى الاستجوابات بإفراط كونهم أقلية تعاني تعسف الأغلبية بقمعها، وبالتالي فإن تقديم الاستجوابات وتأييدها أو معارضتها تعطيهم الحق بالحديث وقول ما تحاول الأغلبية منعهم منه بالجلسات العادية. إن مرور أي استجواب “يشرعن” القضايا المتضمنة في محاور الاستجواب، وهذا ما كنا نلوم فيه الأقلية السابقة باندفاعها وتهورها بتضمين بعض القضايا باستجوابات تعلم مسبقا أنها ستسقط لعدم دعمها من الأغلبية، خصوصاً ما يتعلق بتجاوزات ذات صلة بالتعدي على المال العام، ويوم أمس تطرق النائب عاشور إلى قضية “البدون”، ومع ذلك مرت القضية بسلام على نواب الأغلبية بما احتوته من تعدٍ سافر على حقوق الإنسان، خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل مع أحداث تيماء، فرغم تبني نواب الأغلبية لهذه القضية فإن الاستجواب كشفهم أمام الشارع مجدداً لأنهم لم يدعموا هذا المحور بالاستجواب ليس لعدم عدالته بل لإخضاعه لـ”المواءمة السياسية” بسبب تبنيه باستجواب نائب من الأقلية، لا ترغب الأغلبية بأن يسجل فيه نصراً سياسياً على حسابهم.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق