في أدب التعاطي السياسي لا اختلاف على تعدد الآراء مهما كانت وفي أي اتجاه ذهبت، ما دام صاحبها قد اجتهد واقتنع برأيه، فله حق المجاهرة والدفاع عن قناعاته مهما كانت. ولا اختلاف على أهمية أن يتمتع كل ذي رأي بحقه في التعبير
ما دام ملتزماً القنوات الدستورية السليمة، ولكن أن يلوّح من له رأي ما في موضوع ما بالنزول إلى الشارع لفرض اجتهاده بعيداً عن الأدوات الدستورية المتعارف عليها، فهذا يعني أن هناك من ضاق صدره عن التعاطي الديمقراطي ضمن الأدوات المقنّنة دستورياً، ويعني أيضاً أن هناك من يفتقد إلى التوعية بأدب التعاطي السياسي التي تؤهله لاكتساب ما يطالب به من استحقاقات تحت مظلة النظام العام ومبدأ العيش المشترك.
وهنا أقف عند سلوك غريب يمارسه بعض رموز المعارضة السياسية من الذين يلعبون دوراً شبه هدّام لأسس النظام السياسي، عبر النزول إلى الشارع والتجييش والشحن بأسلوب عاطفي تفوح منه رائحة التكسب السياسي والانتخابي، وإلا كيف نفسّر إهمال هؤلاء موقع فض النزاع وهو القضاء، ليتحدثوا عن النزول إلى الشارع مع كل حكم لا يعجبهم؟! ولماذا لا يحتكمون إلى المحكمة الدستورية في حال أصدر سمو الأمير مراسيم ضرورة في غياب البرلمان؟! ولماذا لا يحتكمون إلى القضاء لإنهاء تسويف ومماطلة الحكومة في ظل غياب السلطة التشريعية عن القيام بدورها؟! لماذا التهديد بالنزول إلى الشارع بشكل دائم؟! لماذا لا يكون الالتجاء إلى الشارع من خلال كسب ثقة الشعب في صناديق الاقتراع، وإبطال مراسيم الضرورة حين عرضها على المجلس التشريعي القادم؟!
يتحدثون عن إصلاحات سياسية ويتبنون أجندة حلول مهما توافقنا أو اختلفنا معها، فهو حق مكفول ومشروع لهم، بل لهم كل الحق في الدفاع عن خطواتهم الإصلاحية ورؤاهم واجتهاداتهم في تعديل أوضاع البلاد العامة، ولكن لا يمكن أن نقبل ترجمة ذلك خارج الأدوات الدستورية السليمة، فلم إصرارهم على استخدام خطاب الكراهية وإثارة الفتنة وتعكير مزاج الشارع السياسي وخلط الأوراق وتجييش الأنصار لإنزالهم إلى الشوارع؟! لماذا لا يسعون لمعالجة القضايا ضمن الذوق الدستوري المتعارف عليه في بلادنا؟!
أحسب أن الإجابة عن هذا السؤال لا تخرج من اتجاهين رئيسين، أولهما أن القنوات الدستورية باتت تشكل عائقاً حقيقياً يحول دون تلبية طموحاتهم وتحقيق غاياتهم، وثانيهما أن القناعة بالشكل الحالي للنظام السياسي باتت تبحر دون بوصلة لمعارضة ينقصها الرشد ولعقول رموز ينقصهم الإدراك، حيث إن البعض لا يعجبه أن يقفز بالبلد في الظلام إلى المجهول، حينها قد تصيب القفزة فيحصلون على ما يسعون إليه، وقد يفشلون، وأحسب أن الخاسر الأكبر في الحالتين هما الكويت وأهلها.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق