من المعلوم أنه لا يوجد نظام انتخابي خال من العيوب، وكما أن حكم كرة القدم الجيد ليس هو الذي لا يرتكب أخطاء لأن ذلك مستحيل، وإنما هو الحكم الأقل ارتكاباً للأخطاء، فكذلك النظام الانتخابي الجيد ليس هو النظام الخالي من العيوب، بل هو النظام الأقل عيوباً. بداية أعتقد أن نظام الدائرة الواحدة بنظام القوائم النسبية هو النظام الانتخابي الأمثل لأنه يفرز تمثيلاً أقرب ما يكون لمكونات الشعب، وهذا هو الهدف الرئيسي المفترض لأي نظام انتخابي منصف. لكن بما أن المحكمة الدستورية أطلقت رصاصة الرحمة على مشروع الدائرة الواحدة لعدم دستوريته – حسب رأيها- فإن الحديث عن نظام الدائرة الواحدة فقد أهميته، ولابد من التركيز في هذه المرحلة على النظام الانتخابي البديل الأقل سوءاً. وبما أن تعديل الدوائر غير مطروح في الوقت الحالي فإن التفكير ينصرف إلى عدد الأصوات التي ينبغي أن تُمنح للناخب: صوت أم صوتين أم أربعة؟
إذا كان لابد من الاختيار بين الخيارات الثلاثة المتاحة فأعتقد أن نظام الصوتين هو الأقرب للتمثيل الحقيقي لمكونات الشعب، فنظام الأربعة أصوات المعمول به مجحف بحق الأقليات، ويجعل من شبه المستحيل تمثيلها في مجلس الأمة، ومعلوم أن صيانة حق الأقليات في التمثيل في البرلمان من أهم الأمور التي يجب مراعاتها في أي نظام ديمقراطي. أما نظام الصوت الواحد الذي يطالب به البعض فهو أشبه بحركة مسدس «الروليت الروسي» الشهيرة، حيث لا يعلم أحد ماهية مخرجات هذا النظام، وهو ما يفتح الباب واسعاً لـ «تجار الشنطة» و«مخلصي المعاملات» من مرشحي «الخدمات» في الوصول لكرسي المجلس، كما أن هذا النظام يُعيد إحياء الانتخابات الفرعية سيئة الذكر، لكي يصبح لدينا بدل «تكفوووون لا تخلوني» واحد، عشرين «تكفووون».
يظل أن الحديث عن أي نظام من هذه الأنظمة الثلاثة أفضل محل أخذ ورد ويحتمل اختلاف وجهات النظر، ولكن لابد هنا من تسجيل نقطة مبدئية في غاية الأهمية، وهي أن الكلام عن أي الأنظمة الثلاثة أنسب شيء، والحديث عن صدور تعديل للنظام الانتخابي الحالي بمرسوم ضرورة شيء آخر. مهما حاول المتحمسون لنظام الصوت الواحد الترويج له على اعتبار أنه المنقذ للبلد، وأنه النظام الذي سيحد من استبداد «الأغلبية» في المجلس القادم فإن ذلك لن يغير في الأمر شيئا، فالرأي المنصف يقول ألا ضرورة ملحة تستدعي إصدار مرسوم ضرورة بتعديل نظام التصويت، وأنه يجب أن يُترك ذلك لمجلس الأمة القادم، وإذا كان الدستور أعطى الحق للحكومة لإصدار مراسيم ضرورة فهذا لا يعني أن نلغي عقولنا ونسلم بكل ما تدعي الحكومة أنه ضرورة، ولعل صدور مراسيم ضرورة بالأمس تشمل تخصيص «الكويتية» وقوانين الرياضة يؤكد إمكانية العبث بمراسيم الضرورة بحجة «الضرورة» المزعومة، وإلا ما هي الضرورة التي لا تحتمل التأخير في تخصيص «الكويتية» وقوانين الرياضة؟
قم بكتابة اول تعليق