جاء حكم المحكمة الدستورية الأخير ليقطع الشك باليقين وليحصن نظام الدوائر الحالي وبالتالي يمنع أي يطعن قد يقدم مستقبلا بخصوص دستورية النظام الانتخابي بعد الانتخابات المقبلة، ليثبت القضاء الكويتي أنه كان وما زال الملجأ والملاذ الآمن لتحصين البلاد من أي عقبات سياسية قد تشوب العملية الديموقراطية.
الآن وبعد صدور المرسوم الأميري بحل مجلس 2009 بعد حوالي ثلاثة أشهر من عودته بموجب قرار المحكمة الدستورية بعدم دستورية حله، كنا نتأمل أن يعود الاستقرار السياسي مرة أخرى انتظارا لصدور مرسوم آخر للدعوة إلى انتخاب مجلس جديد وفقا لنظام الدوائر الحالي القائم على خمس دوائر انتخابية يحق فيها لكل ناخب بالتصويت لعدد أربعة مرشحين، إلا أن مسلسل التصعيد والتهديد ومحاولات تقليب الشارع وزعزعة استقراره وإيجاد مثالب جديدة بالنظام الحالي والدعوة إلى تعديل قانون الانتخاب من خلال تقليص عدد الأصوات بحيث يحق لكل ناخب التصويت لمرشح واحد فقط ما هي إلا محاولات جديدة للانقلاب على مبادئ الديموقراطية والسعي إلى السيطرة على المقاعد البرلمانية وتقليل فرص كتلة الغالبية وإن كنت لا أتفق مع بعض أطروحاتهم وتوجهاتهم وحتى شخوصهم، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال أن يكون ذلك من خلال أساليب ملتوية، فالناخب له الحق في من يختار وإن كان ذلك لا يتفق مع أهوائنا ورغباتنا.
صحيح أن مراسيم الضرورة هي حق أصيل من حقوق صاحب السمو وفقا لما جاء في المادة 71 من الدستور، والتي ذكرت بأن للأمير الحق بأن يصدر مراسيم الضرورة التي تكون لها قوة القانون بشرط أن تكون هذه المراسيم، مما يوجب اتخاذ التدابير اللازمة من أجلها بسرعة لا تحتمل معها التأخير، إلا أن تعديل قانون الانتخاب لا أجد فيه أي ضرورة ملحه تحتاج إلى أن يكون على أساسه أي تعديل. وإذا كان قانون الانتخاب الحالي به أي شوائب أو قصور أو سوء في تحقيق التمثيل الواقعي الشعبي، فإن مسؤولية تعديله بما يتوافق مع الرغبة الشعبية وتحقيقا لمبدأ العدالة والمساواة تقع على عاتق ممثلي الأمة في المجلس القادم وفقا للصلاحيات التي منحها لهم الدستور تحقيقا لمبدأ دستوري أصيل بأن الشعب هو مصدر السلطات جميعا وأن ذلك يجب أن يكون من خلال قانون يصدر داخل قاعة قبة عبدالله السالم وفقا للدستور والقوانين والأحكام المنظمة لذلك والتي جاءت متماشيه مع ما ذكرناه.
إن محاولة التلاعب في النظام الانتخابي الحالي سيزيد من حالة الاحتقان السياسي ويؤدي إلى زيادة التصادم الشعبي الحكومي وسيؤدي إلى مزيد من التعطيل للخطط والمشاريع وإلى كبح عجلة التنمية، ونكررها مرارا وتكرارا بأنه يجب على الحكومة أن تعي ان أي مواجهة مع المواطنين ستكون فاشلة وخاسرة، وعليها أن تتعلم من أخطائها السابقة التي سئمنا من الإشارة إليها والتي كانت دائما هي فيها الطرف الخاسر.
وختاما، فإن الخبير الدستوري عثمان عبدالملك الصالح رحمه الله قد ذكر بهذا الخصوص كلمات تسطر بأحرف من ذهب وتعبر باختصار عما نحاول إيصاله من رساله إلى الحكومة والمعنيين وإلى كل من ينادي بتعديل قانون الانتخاب خارج قبة عبدالله السالم في محاولة للتلاعب بالإرادة الشعبية والتي جاء بها: «يكون تقسيم الدولة إلى دوائر انتخابية بقانون، ذلك أنه لو ترك هذا الأمر للحكومة فمن المحتمل أن تتخذه وسيلة تمكن أنصارها من النجاح وذلك باللجوء إلى استعمال طريقة تشتيت الدوائر الموالية لخصومها حتى يصبحوا أقليات في دوائر متفرقة فينعدم أثرهم». وما يحدث من دعوات اليوم هو في واقع الأمر محاولات يائسة لتشتيت كتلة الغالبية ومحاولة لتقليل فرص نجاحهم، فبعد أن باءت محاولاتهم بالفشل في الطعن بدستورية نظام الدوائر الحالي، ها هم من جديد يحاولون تعديل عدد الأصوات سعيا منهم لتحقيق مبتغاهم، ولكن نقولها أولا وأخيرا، لا تعديل خارج قبة عبدالله السالم.
boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي
قم بكتابة اول تعليق