احمد عيسى: خمس بصوت واحد

يدور حديث عن احتمال صدور مرسوم ضرورة بتعديل قانون الانتخاب لتقليص عدد الأصوات من أربعة إلى صوت واحد لكل ناخب وناخبة.

وقبل الخوض في الجانب العملي لهذا القرار وتداعياته السياسية على الساحة، يجب الإشارة إلى أن المادة (71) من الدستور المتعلقة بإصدار مراسيم الضرورة تجيز لسمو الأمير حق إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون خلال فترة تعطل عمل البرلمان، إما بين أدوار الانعقاد وإما خلال فترة حله لتغطية الفراغ التشريعي المترتب على غياب البرلمان، كما أعطت هذه المادة الدستورية لسمو الأمير حق تقرير التدابير التي لا تحتمل التأخير شريطة ألا تكون المراسيم مخالفة للدستور أو التقديرات المالية لقانون الميزانية.

والإجراء المتبع لإصدار هذه المراسيم يكون برفعها إلى سمو الأمير من مجلس الوزراء؛ فإن اعتمدها أصبح لها صفة القوانين المؤقتة التي تستمر حياتها حتى موعد انعقاد اجتماع المجلس التالي، ليفصل فيها إما باعتمادها وإما بردها، فإذا لم يقر أي من هذه المراسيم يعتبر المرسوم ملغى ويزول ما ترتب عليه من آثار بأثر رجعي ويصبح كأن لم يكن.

وعطفاً على ما تقدم، فإن أي مرسوم يصدر وفقاً للمادة (71) خلال الفترة الفاصلة بين صدور مرسوم حل مجلس الأمة بداية الأسبوع الجاري، وحتى اجتماع مجلس الأمة المقبل سليم (دستورياً)، بما فيها المرسوم المفترض صدوره والمتعلق بتقليص عدد الأصوات من أربعة إلى صوت واحد، وأن المجلس المقبل هو الذي يملك حق إقرار المرسوم أو إسقاطه.

أما فيما يتعلق بالشق السياسي، فإن إعلان قوى المعارضة الجديدة ومعها الحركة الدستورية الإسلامية، ونية التحالف الوطني الديمقراطي الانضمام إلى نادي مقاطعة الانتخابات في حال تم تعديل عدد الأصوات بمرسوم ضرورة، سيؤدي إلى ابتعادهم عن المشهد وترك الساحة لمنافسيهم، وبالتالي فإن من يقرر المقاطعة اليوم عليه ألا يتفاعل غداً مع ما سيطرح في الساحة، لأنه هو من تنازل طواعية عن حقه وترك الآخرين يحلون محله.

أما فيما يتعلق ببيان قوى المعارضة الجديدة الصادر يوم أمس الأول من كتلة الأغلبية وتوابعها حول توجه السلطة إلى تغيير النظام الانتخابي، والذي اعتبر أن صدور مراسيم الضرورة أدخل البلاد مرحلة “الحكم الفردي الذي لا يؤمن بالديمقراطية” وذكّر بالاعتداء على الحكم الدستوري عام 1976 فكانت المفارقة فيه في أمرين: الأول أن بين الموقعين عليه “الإخوان المسلمين” الذين باركوا ذلك الاعتداء، وشاركوا بوزير يمثلهم في حكومة الاعتداء على الدستور، أما الثاني فتمثل بعدم تطرقه لمرسوم الضرورة الذي عقدت بموجبه انتخابات مجلس 1981 التي شارك فيها النائبان السابقان أحمد السعدون وخالد السلطان، ونُسف بموجبه قانون الانتخاب بالكامل دون أن يقاطعها أي منهما أو يعتبرها عبثاً وانقلاباً على الدستور في وقتها.

أما إشارة البيان إلى التصدي لمرسوم الضرورة بتعديل عدد الأصوات بكل الوسائل السياسية والميدانية فلا يعدو عن أنه استعراض عضلات مبالغ فيه لا يتعدى حدود الصفحات التي كتب عليها البيان، ناهيك عن الرفض المطلق للأسلوب الذي كتب به والنفس التحريضي الذي حملته مفرداته.

وفي الحديث عن خطاب قوى المعارضة اليوم، دعونا نناقش مسألة “الغياب المتعمد” عن المشاركة بالبرلمان، ولنسأل: كيف سيكون موقف المقاطعين في حال أقدمت السلطة على تعديلات دستورية تقلم أظافر السلطة التشريعية، وتحقق نظرية “الانقضاض على الدستور” التي أشار إليها بيان كتلة الأغلبية وتوابعها. ربما سيرى البعض أن السلطة لن تقدم على ذلك لأنه بمنزلة انتحار سياسي، لكن ماذا سيقول عمّن مكّنها من ذلك وقاطع الانتخابات؟ ألا يجب مساءلته لأنه تخلى عن دوره وتعامله بعبث مع مبدأ المشاركة في الانتخابات والمساهمة في صنع القرار وفقاً للدستور.

استذكرت في مقال سابق لي بعنوان “لن نقاطع” بنفس هذا الموقع في 19/ 7/ 2012 موقف قوى المعارضة الحقيقية التي قادها التيار الوطني حينما شارك مرشحوها في كل الانتخابات التي شهدت تلاعباً من السلطة لحد نفوذهم، فلم يقاطعوا الانتخابات المزورة لمجلس 1967 الذي استقالوا منه بعد نجاحهم فيما قاطع بعضهم انتخابات 1971، كما لم يقاطعوا انتخابات مجلس 1981 التي تغير النظام الانتخابي فيها من خلال مرسوم ضرورة، لأن حكماء المعارضة السابقة كان هدفهم تأكيد حماية النظام الدستوري وصيانته أكثر من مصالحهم الانتخابية، والمواجهة وتحمل المسؤولية الوطنية، لكن ذلك كان مبدأ معارضي ذاك الزمن الجميل، وحتماً سيكون من الظلم مقارنتهم بنظرائهم من معارضي اليوم.

المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.