جاسم بودي: كبيرنا قبل أن تكون أميرنا… ووالدنا قبل أن تكون قائدنا

نقولها بنبضات القلب لا بحبر الكلمات… محشوم يا صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد فمقامك السامي أرفع بكثير من الزج به في سجال سياسي، وكرامتك من كرامة كل فرد فينا، وهيبتك هيبة للكويت، وكل كلمة تناولت سموك شخصيا مباشرة ومداورة مست جميع الكويتيين وأساءت إلى جميع الكويتيين بمن فيهم من أطلق الكلام على عواهنه غير مدرك أنه يهدم سورا من بيته.
محشوم يا صاحب السمو، فأنت والدنا قبل أن تكون قائدنا، وكبيرنا قبل أن تكون أميرنا. أنت الذي فتحت قلبك قبل أبوابك للكويتيين وكنت دائما على مسافة واحدة من الجميع، معارضة وموالاة، أقلية وغالبية. أنت العقل الذي لم يعرف استراحة منذ عقود أمضيتها رافعا اسم الكويت في المحافل الدولية، والحكيم الذي يسمو على الصغائر ويرتفع فوق السجالات، وصاحب الرؤية الطامح لرؤية بلاده مركزا ماليا واقتصاديا ورئيسيا في المنطقة… وأنت الإنسان القريب من كل كويتي والمتألم لألم كل كويتي والمبتسم لابتسامة كل كويتي وأنت الأب القلق على رؤية قطارات التنمية والتحديث والتطوير تتعطل في محطات الخلافات سواء أتت الأخطاء من الحكومة أو من المجلس.
محشوم يا صاحب السمو. ولا نقول ذلك بفعل القانون والدستور والتشريعات التي تنص على حصانة المقام، بل لأن العلاقة الفريدة المميزة في الكويت بين الحاكم والمحكوم خلقت أعرافا وتقاليد وطنية وإنسانية تتجاوز القوانين والدستور والتشريعات إلى المحبة كعاطفة، والاحترام كفطرة، والولاء كخيار حر لم يفرضه أحد علينا.
محشوم يا صاحب السمو… فنحن لا نريد الدخول طرفا في سجال سياسي حول الدوائر الانتخابية وعدد الأصوات. لا نريد أن نتحدث عن الأزمات السياسية المتكررة لنحدد من هو المسؤول. لا نريد أن نخوض نقاشا حول الطريق الأسلم لتطوير النظام السياسي، وقد يكون رأينا مخالفا تماما لرأي الحكومة أو رأي بعض المستشارين قصيري النظر أو قليلي الخبرة… نريد أن نقول لكل من تجاوز وأساء إلى رمز الكويت والكويتيين أن يعود إلى رشده وأن يتوقف عن تجاوز الخطوط الحمر وأن يرتقي بخطابه السياسي إلى مصاف القدوة فيعطي المثل لأنصاره وتياره السياسي بأن يلتزموا القيم الوطنية حتى في عز اللجوء إلى الخيار المعارض، وألا يعطيهم المبرر والذريعة لتجاوز ما تجاوزه هو أيضاً كي لا يسيء إلى البلد مرتين.
القوانين واضحة، وهي تسمح للحراك السياسي بأن يأخذ المدى الذي يحتاجه إنما تحت سقف الدستور ، وما رأيناه في الأيام الماضية ليس حراكا سياسيا على الاطلاق. كان عملية شحن وتحريض استخدمت فيها كل الاسلحة المحرمة وطنيا. غرائز منفلتة مفتوحة على تهديدات في كل الاتجاهات. خطاب تشعر معه أن سياسة «الارض المحروقة» هي السائدة وأن البعض يتجاهل نهج التعقل والتوافق ولا يريد لسفن الحل أن ترسو في ميناء الكويت.
من يعترض على حق الناس في الاعتراض فإنما يعيش في غابة منعزلة ولا يعرف ما يدور حوله، لكن من يعمل على إحلال شرائع الغاب مكان الشرائع السماوية والمدنية والدستورية فإنما يسعى لخراب بيته. هل تجيز لنا قيمنا الدينية والاجتماعية والسياسية والمدنية والوطنية (ولن اقول الدستورية والقانونية) أن نتعرض لصاحب السمو أمير البلاد بهذه الطريقة؟ هل هذه هي مقاليد المعارضة السياسية التي سنورثها لابنائنا وأحفادنا؟ الغريب العجيب أن كثيرين ممن هاجموا مقام صاحب السمو لا يتقبلون نقدا عاديا لهم أو حتى وجهة نظر مختلفة، هم حريصون على صورهم وأصواتهم أمام ناخبيهم وقواعدهم ومع ذلك استمرأوا اللجوء إلى خطاب الغرائز لأنه، مع الاسف الشديد، حقق لهم نتائج ولأن الحكومات المتعاقبة، للأسف الاشد، هي من سهّلت لهم هذا الطريق بأخطائها وخطاياها.
مرة أخرى، من حق الناس أن تعارض إنما تحت سقف الأنظمة والقوانين والأعراف والتقاليد. هم حاكموا قرارا لم يصدر بعد وحكموا على النيات بمِطرقة التصعيد. وهم سيتابعون الحراك غدا عندما تصدر القرارات والمراسيم وهي حق دستوري لصاحب السمو تماما كما أن الاعتراض عليها حق دستوري لمن يريد. وهناك سوابق في هذا الموضوع عندما تغير النظام الانتخابي بمراسيم وخاض الانتخابات بعض من يعارض حاليا وفاز بها ومن ثم عرض الأمر على المجلس الجديد وتم التصويت عليه.
لا نقول ذلك لأننا من دعاة الدوائر الخمس بالصوت الواحد فرأينا معروف في النظام الانتخابي الذي نراه الأفضل وسبق أن كتبناه ودافعنا عنه، ولا نقول إن على المعارضة السكون لأنها إن فعلت فلن تكون معارضة بل ستكون مقصرة في حق قواعدها، لكن الالتزام بالقيم السياسية الحضارية والاجتماعية والأعراف والتقاليد وبالدستور وبالقوانين هو مصلحة للمعارضة ولشبابنا الذين نريدهم مشاريع قادة وسياسيين وإداريين ناجحين ولا نريدهم في مشاريع أخرى، كما أن الابتعاد عن مصطلحات مثل الثورة والدم وأخذ الحقوق باليد و«تكسير الرؤوس» والتصويب على المقام السامي… هذا الابتعاد هو مصلحة للكويت ولكل كويتي وأولهم المعارضون.
بالتوافق قامت الكويت… بالتوافق ستستمر… وإن استمرت بشكل آخر فلن تكون «الكويت».
… ويا صاحب السمو. يا صاحب القلب الكبير. من لم تحن هموم بلده طيلة هذه العقود ظهره فلا خيار لنا الا الالتفاف الدائم حوله كي يبقى رأسه عاليا وهامته مرتفعة وقامته منتصبة شامخة. عزك عزنا وعزنا عزك… هكذا تعلمنا… هكذا نعلم أولادنا… هكذا سيعلمون أولادهم.

جاسم بودي

المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.