كشفت الأحداث الأخيرة، التي تعيشها الكويت في هذه الفترة الحرجة من مسيرتها الديموقراطية، عن أزمة فكرية حقيقية تعيشها فئات من أبناء هذا الوطن، حيث يتنادى هؤلاء لحماية الديموقراطية، ويفزعون لصيانة الدستور، وفي الوقت ذاته تنحرف ممارساتهم عن الجادة الديموقراطية الحقيقية، وعن الهدف المنشود. رأينا ذلك يتجلى وبشكل واضح مع ما شهدته الساحة السياسية من انقسام بين التيارات السياسية والمهتمين بالشأن العام من مؤيد أو معارض لتعديل قانون الانتخابات بمرسوم الضرورة.
تناقش الجميع، وطُرحت الأفكار، وسيقت الحجج والأدلة لتأكيد وجهة النظر المؤيدة أو المعارضة مع اتفاق الجميع، وعلى رأسهم السلطة والحكم، على صيانة حق التعبير وضمان حرية المناقشة والاختلاف، واستقبلت الوفود التي تشرفت بحمل أمانة النصيحة مباشرة ودون حجاب لسمو أمير البلاد، لإيمان الجميع بأهمية المناصحة في هذه القضية المصيرية، آملين تعزيز الممارسة الديموقراطية الحقة، ولكن – وآه من لكن – صدمتنا بعض الظواهر التي فرضت نفسها على الساحة السياسية، وهي قد خرجت – في رأيي – عن أبسط أشكال الممارسة الديموقراطية المقبولة، ولا أقول «الراقية»، مما زاد من قلقنا على مآل الديموقراطية في هذا البلد الطيب، ولعل أولى هذه الظواهر وأشدها إيلاماً للنفس تمثلت في ارتفاع سقف الخطاب السياسي وجنوحه – مع الأسف – إلى محتويات تدفع به إلى المواجهة المباشرة مع المقام السامي، وبأسلوب انطوى على التهديد والوعيد، وهو الأمر الذي يرفضه الجميع – إلا من تكلّم به – لأنه يتنافى مع كل الأعراف الاجتماعية والسياسية التي نشأنا على احترامها والتمثل بها، ويضرب بعمق أسس الديموقراطية وما أقره دستور الدولة، من صيانة للذات الأميرية، وحفظ حقوق السلطات، وعلى رأسها سلطة أمير البلاد حفظه الله.. وهنا أسأل، هل هذا من الديموقراطية في شيء؟
وثانيتها: تلك التصريحات التي طالعتنا بها الصحف على لسان وجهاء قبائل العوازم والعجمان الأفاضل، الذين أفصحوا من خلال تصريحاتهم عن نية قبائلهم مقاطعة الانتخابات في حالة تعديل القانون، عفواً أيها السادة، لقد استعصى عليّ الفهم، واختلطت في فكري المُثل، فهل نحن فعلاً نعيش في دولة مدنية أساسها الدستور وحدودها القانون، أم ماذا؟ وهل يحق لأي منا أن يمارس – وفي العلن – حقوقه من منطلقات فئوية أو قبلية أو طائفية، فيُصادر حقوق الآخرين القانونية؟ تلك، لعمري، قضية تحتاج إلى الوقوف على أسبابها دون خجل أو مواربة، فسلطة الدولة فوق الجميع، ولا شيء يعلوها.
أما ثالثتها: فهي حول ما ورد من أنباء عن تفكير بعض القوى الوطنية بمقاطعة الانتخابات عند التعديل، وهنا يجب أن نقف لنفرّق بين المعارضة الإيجابية المتمثلة في إبداء الرأي والحجة والانتصار للدستور، وهو الموقف الذي تبناه المنتمون إلى هذا التيار أو جُلّهم، وبين المعارضة السلبية والمتمثلة في المقاطعة، فذلك موقف لن يحرم أبناء هذا التيار من المشاركة في الممارسة الديموقراطية المطلوبة فقط، وإنما سيحرم الكويت من تكاتف وتعاون أبنائها من مختلف التيارات السياسية، ومنها التيار الوطني، من العمل بجد لصياغة مستقبل الوطن، فلنفكر ملياً في ذلك.
قلبي على وطني الذي اتسع للجميع ويحتاج منا إلى أن نكون جميعاً ديموقراطيين بحق، والله الموفق.
د. موضي عبدالعزيز الحمود
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق