يقال ان أحد شيوخ العشائر في العراق ذهب في بداية حكم الملك فيصل الأول الى العاصمة بغداد لإنجاز احدى المعاملات الخاصة، وهناك قيل له ان القانون لا يسمح بذلك، غضب غضباً شديداً من هذا القانون الذي يقف في وجه شيخ العشيرة، وفي الليل ذهب الى ملهى ليلي وشاهد الفرقة الموسيقية، وتساءل عن أداة موسيقية معينة لم يرها من قبل، وقيل له: هذا هو القانون، وهنا تذكر القانون الذي حكم على معاملته بالرفض فقال قولة مشهورة «وش ذا القانون الذي يحكم به بالنهار ويلعب به بالليل».
دستور دولة الكويت الذي صدر عام 1962 في عهد المرحوم الشيخ عبدالله السالم الصباح ـــ طيب الله ثراه ـــ قد شكل نقطة تحول في الكويت والمنطقة بشكل عام، بل وفي العالم العربي، وحتى لا يكون الدستور كالقانون الذي يحكم به في النهار ويلعب به في الليل عمد رواد العمل البرلماني الأوائل على تحصين هذا الدستور بإنشاء مؤسسات دستورية تحميه، ومن أهم هذه المؤسسات المحكمة الدستورية التي تفسر مواد الدستور ودستورية القوانين، فهي بمنزلة المرجع الأخير لأي استفسار أو حكم دستوري.
ودستور الكويت ليس كاملاً بل فيه بعض الثغرات، لكنه أفضل من عدم وجوده، وقد جرت عدة محاولات لتعديل بعض مواد الدستور، ولكن خوفاً من ان يكون ذلك بداية لتغييرات تشوه الوجه المشرق للدستور، وتكون هذه التعديلات مجالاً «لكل من يجيب من رأسه صوت»، وقد فشلت جميع هذه المحاولات، وهناك جماعة قاموا بالدفاع عن الدستور بطريقة حادة، بحيث ان مجرد التفكير في تعديل الدستور أو نقده يعتبر خيانة عظمى، نراهم الآن وقد انقلبوا 180 درجة مطالبين بتعديلات رئيسية في الدستور تفتح الأبواب على مصراعيها لاقتحام جديد للدستور أكبر من اقتحام يوم الأربعاء الأسود لمجلس الأمة.
المحكمة الدستورية ملجأ للحكومة وللمجلس، فلا أحد يجزع من الاحتكام اليها سواء من الحكومة أو من المجلس، ويجب ان نبعد كل البعد عن عمليات التسييس التي خربت مؤسساتنا الكويتية.
مرة أخرى، الدستور والمؤسسات الدستورية يجب ان تظل أداة حكم ليلاً نهاراً لا أداة توصلنا الى ما نريد واهمالها حيث تكون مصلحتنا في ذلك.
أنور عبدالله النوري
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق