ما جرى في ندوة ما يسمى بالأغلبية البرلمانية الأسبوع الماضي، مؤشر واضح على جهل في آليات العمل السياسي والمرجعية الدستورية لكل فعل وطني، وأي اعتقاد بأن هذا الطريق يمكن أن ينتج خيرا للبلد اعتقاد خاطئ، فمن المستحيل أن تبنى أوطان من خلال الشتائم والتحريض على هدم المعبد بمن فيه، وما علينا سوى مراجعة التجارب المماثلة حتى نعرف خطورة هذا المسلك.
الإصلاح والتطوير على جميع الأصعدة هدف لكل مواطن مهما كان حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه، ومادام الهدف من ذلك المشروع القضاء على السلبيات الحالية، فإن الآلية للوصول إليه ينبغي أن تكون خالية أيضا من أي شائبة، فمن غير الممكن أن يكون هناك هدف نبيل، فيما الآلية للوصول إليه على العكس من ذلك، وإلا فسنكون دمرنا ما أردنا إصلاحه.
الدب الذي قتل صاحبه لم يكن ينوي قتله، بل كان يريد أن يدفع عنه الأذى، لأنه وجد أن هناك حشرة ما تربك نومه وتؤذيه بكثرة أزيزها حول رأسه، وفي النهاية هبطت على جبهته من دون أن تعلم أنها ستكون ضحية هي وذلك الرأس، لحرص الدب على ألا يزعج أحد ما صاحبه، وكانت الكارثة عندما هوى ذلك الدب بصخرة كبيرة على الحشرة والرأس لينتهي كل شيء.
في مصر، كانت هناك ديمقراطية برلمانية، بالضبط كما يحدث في بريطانيا حاليا قبل العام 1952، وكان حزب الأغلبية هو من يشكل الحكومة، وكانت الأحزاب تتنافس في ما بينها للوصول إلى البرلمان، وكانت الصحافة حرة تكتب ما تشاء، لكن عندما تجاوز بعضهم الخطوط الحمر، سقط كل شيء ولم ينتبه المنشغلون في الشأن السياسي والعام إلا وبعضهم خارج البلاد والبعض الآخر في المعتقلات.
سوريا التي تكتوي بنار الحرب الأهلية حاليا كانت ديمقراطية هي الأخرى، لكن المعنيين بالعملية الديمقراطية ارتكبوا خطأ، وتجاوزوا في صراعهم الخطوط الحمر، ولم يصحوا إلا على أصوات «بساطير» العسكر تهوي على كل جزء من أجسادهم من دون أن يتمكنوا من رد الأذى عن أنفسهم وعن شعب انشغلوا عنه بجرعة كبيرة من السياسة عجزوا في نهاية المطاف أن يبتلعوها.
في البحرين أيضا، كان هناك دستور وبرلمان شبيهان إلى حد كبير بالدستور والبرلمان الكويتيين، لكن غياب الوعي بما يدور داخل البحرين وحولها أدى إلى خسران تلك التجربة المميزة، وفتح بابا من العنف مازالت تعيشه البحرين حتى يومنا هذا، ولو كان هناك وعي في ذلك الوقت بحقيقة الأمور والمساحة التي يمكن المناورة داخلها، لتجنبت البحرين مثل تلك الكارثة.
العاقل كما تقول العرب من اتعظ بغيره، والحديث موجه لجميع الأطراف الناشطة على الساحة السياسية بلا استثناء، فإذا كنا نريد الإصلاح وفرض رؤية تطور من واقعنا السياسي، فليكن هذا الإجراء من خلال الأدوات التي يتيحها لنا الدستور، فالخروج عليه سيكلفنا كثيرا كما كلف شعوبا مازالت تناضل من أجل العودة إلى ما كانوا عليه من دون جدوى.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق