من المقولات المشهورة في التاريخ الإسلامي مقولة «كلمة حق يراد بها باطل»، وهي المقولة الخالدة التي أطلقها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، لما سمع الخوارج يصيحون في المسجد والإمام يخطب «الحكم لله، لا لك يا علي»، وهو الشعار الذي رفعه الخوارج بعد ذلك في حرب النهروان عندما خرجوا يقاتلون الإمام علي.
أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، أراد أن يقول للناس من خلال هذه المقولة إن الخوارج – وإن رفعوا شعارا حقا – إلا أن ما أرادوه هو الباطل، وبذلك أراد الإمام تحذير الناس من الانسياق وراء من يرفعون شعارات ظاهرها الحق، ولكن ما يراد به هو الباطل.
أعتقد بأن أفضل ما يمكن وصف شعارات «الأغلبية» التي رفعتها، والتي تدعي فيها «الدفاع عن الدستور وحماية المكتسبات الدستورية وتحقيق دولة العدالة وسيادة الأمة».. هو كلام حق يراد به باطل. وكما أن الخوارج رفعوا شعار «لا حكم إلا لله»، لكنهم أرادوا به باطلا، وهو ما تجلى في الصخب والفوضى اللذين أثاروهما آنذاك، وهو ما دفع بالإمام علي ليقول للخوارج «والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين»، ولكن عندما تم ترويع المجتمع وأخذ الخوارج يعيثون في الأرض فسادا تصدى لهم الإمام علي وكسر شوكتهم، فكذلك الحال مع كتلة الأغلبية هذه الأيام، فهم يرفعون شعارات في غالبها حقة، لكن ما يراد بها غير ما هو معلن، فغالبية من يرفعون هذه الشعارات هم ممن لا يؤمن بهذه الشعارات من الذين لا يؤمنون بالدولة المدنية أصلا، ومن طالبي السلطة والطامحين للوصول إليها.
كيف لمن يطالبون بحماية الدستور ويتباكون على أعتابه أن يخاطبوا سمو الأمير، أو كما يعبر عنه «منظر كتلة الأغلبية» وعراب فكرة المواجهة مع السلطة محمد عبدالقادر الجاسم بأنه «رئيس الدولة» أن يخاطبوه بشكل مباشر بأسلوب لا يخلو من التهديد والوعيد، على الرغم من أن الدستور ينص على أن ذات الأمير مصونة، وأنه يمارس سلطاته بواسطة وزرائه؟
ما ترفعه كتلة الأغلبية من شعارات في حقيقة مقصدها زحف على السلطة، ولذلك، فنحن نقف في الوقت الحالي على مفترق طرق يجب أن تحسم فيها الأطراف كافة خياراتها، فالأمر لا يحتمل التردد أو الاكتفاء بالفرجة، وكلام مسلم البراك في ساحة الإرادة أمس الأول ومقولته «لن نسمح لك» أسس لمرحلة جديدة، والأيام المقبلة، كما يقول الشاعر:
الأيام حبلى والأمور عوان وهل ترى ما لا يكون وكان
وعانك من لا ترتجي منه عونه فرب لاجئ في جنابك خان
عدوك لو خلاك يوم مخافة فهو مسرج للمولمات حصان
فكم عيلة يعفو لها كشف هيبة ولا حكم إلا يكون ايقان
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق