بعد مشاركة أعداد كبيرة من الكويتيين في مسيرة يوم الأحد الرافضة لمرسوم تغيير الدوائر الانتخابية، بات واضحا أن الشارع الكويتي أصبح منقسما على نفسه بشكل كبير، حيث يسعى كل طرف جاهداً للانتصار في «صراع» يراد له أن ينتهي بانتصار طرفٍ على الآخر، وأحسب أنه ومن خلال السلوك السلبي المتبع من الطرفين اليوم، أن الأمور ستؤول في النهاية إلى هزيمة وانتكاسة الجميع، بل يمكن القول إن الكويت وشعبها ومستقبل أبنائها أول الخاسرين.
وأستغرب في ظل هذا التصعيد الذي يمارسه الطرفان – السلطة والمعارضة – كيف يغيب «العقلاء» عن الساحة وكأنهم غير معنيين بما يجري في البلاد من تصعيد قد يجتاز خط المرونة إلى خط اللاعودة؟! هؤلاء «العقلاء» الذين يمكن اعتبارهم من أصحاب الحل والعقد في هذا اليوم الذي غرق فيه قادة وجمهور الطرفين بالتفاصيل اليومية للأحداث، وتفاعلوا معها إلى درجة لم يعودوا يفكرون بما هو في مصلحة الكويت وما هو ليس في مصلحتها، وخصوصا أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم ولم توصم سلوكياتهم بالاصطفافات اللاوطنية والطرق اللاذوقية والأساليب اللاأخلاقية في التعاطي مع هذا «الصراع» القائم اليوم.
من المهم أن نلفت أنظار العامة من الناس إلى هؤلاء، ليدفعوا باتجاه تحريضهم على لعب دور قيمي في ملء مساحة الفراغ القائمة اليوم، لأن البعض في المعارضة قد فقد عقله، إلى درجة أنه بات لا يهتم بسمعة وطنه ولا مستقبل التنمية فيه، ولا حتى أن تبقى البلاد بشكلها وروحها وقوامها الاجتماعي وذوقها الثقافي الحالي، وكأن لسان حال هذا البعض يقول: «أنا الغريق فما خوفي من البلل»، وفي وقت أصبحت الحكومة من الضعف والارتباك إلى درجة لم تعد تفرّق بين الردع بالقمع لاحترام القانون، وبين المعالجة الأمنية لأضرار أي تحرك شعبي يخرج عن الأطر القانونية، وبدلاً من الخطوات الحديدية في التعاطي مع سلوك من يختلف معها، كان بالإمكان ممارسة دور حضاري في التعاطي مع ردود الفعل الشعبية المعارضة.
لذا.. أناشد تلك الشخصيات ذات المكانة القيمية – من أئمة مساجد ورجالات دولة سابقين وشخصيات راشدة – كسر هذا الصمت الذي وضعوا أنفسهم فيه، والخروج بدعوة وفاق ومصارحة ومصالحة بين الأطراف المختلفة، لعل وعسى أن تكون قادرة على تقريب وجهات النظر، وخلق مناخ إيجابي يمكن من خلاله كسر الحاجز النفسي وإعادة الثقة بين الحكومة والمعارضة من جانب، والنأي برمز البلاد أميرها عن تلك الصراعات السياسية التي من شأنها أن تهدم كل ما تم بناؤه في العقود الخمسة الماضية من الجانب الآخر.
فلتخرج تلك الشريحة من قمقمها لتدعو الفرقاء اليوم إلى كلمة سواء تجمع الجميع على ما يرضي الله سبحانه أولا، وثم ما يقبله أهل الكويت وقيادتهم معاً، فلتكن الدعوة إلى الحوار الإيجابي بين الحكومة والمعارضة ضمن الأطر الدستورية كمدخل أهم من شأنه تقليل حجم الاحتقان في البلاد، مع إدراكنا جميعاً أن الكويت هي واحة أمن واستقرار للجميع، ولا يمكن لأي طرف مهما امتلك من عناصر القدرة والقوة اليوم أن يُهمش أو يلغي الآخر، لأن البناء الاجتماعي الكويتي قائم في كينونته على مبدأ القبول بالتعددية والتسليم بالعيش المشترك والسلم الأهلي بين مكوناته المختلفة.. فهل من مدرك لأهمية هذا الدور فيتصدى مشكوراً؟
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق