جمعني منذ أسابيع لقاء مع خبير في شؤون الطاقة يعمل في وزارة الكهرباء والماء، تبادلنا فيه الهموم حول تبديد الطاقة في الكويت، وإن كان للحملات التوعوية الأثر المرجو منها في ظل التسعيرة الحالية للكيلووات. وقد علمت منه أن نتائج الحملات الترشيدية لخفض الاستهلاك التي قامت بها الوزارة منذ سنتين كانت مخيبة للآمال. فقد أدت إلى تخفيض إجمالي في الاستهلاك يبلغ حولي %2، وأن معظم هذا التخفيض كان ناتجا عن إطفاء الأنوار والتبريد خارج ساعات الدوام في مبان حكومية. وذكر هذا الخبير أنه من ناحية نظرية فإنه يمكن إحداث خفض في إجمالي استهلاك الكهرباء والماء يبلغ %30 من إجمالي الاستهلاك من دون أن تتأثر نوعية الحياة التي يعيشها المواطن أو المقيم. لكن لا أمل في تغيير سلوكيات الناس لترشيد الاستهلاك من دون مراجعة لأسعار الكيلووات، يبدأ من رفع سعر الأساس الحالي البالغ فلسين فقط، ومن دون تطبيق قائمة أسعار تتكون من شرائح يتصاعد فيها السعر وفقا لكمية الاستهلاك.
والغريب في الأمر أنه في حالة الإسراف في استهلاك الطاقة الكهربائية التي نعيشها، يتغافل المسؤولون والمتخصصون ضرورة مراجعة الأسعار للحد من استهلاك الطاقة. هذا في الوقت الذي بلغ فيه معدل استهلاك الفرد للكهرباء في الكويت الأعلى في العالم. بينما يتركز الحديث عن خطط الدولة على بناء محطات جديدة أو على المبالغة في التفاؤل من استغلال منتظر للطاقة الشمسية. فالكويت تنتج حاليا 12000 ميغاوات يوميا. وعند تنفيذ خطط بناء المحطات، فإن الإنتاج سوف يبلغ 25000 ميغاوات في حوالي عام 2025، مما سوف يضاعف كمية الوقود المستهلكة في التوليد من 350 ألف برميل إلى 750 ألف برميل يوميا. هذا من دون التنبؤ بالآثار البيئية على هذا التوسع المطرد في إنتاج الطاقة، خاصة في ما يتعلق بالآثار الناتجة من ضخ مياه حارة إلى الخليج بعد استخدامها في تبريد المحطات. ويبدو أن هناك إفراطاً في التفاؤل من دور لاستخدامات الطاقة الشمسية للحد من استخدام الوقود الاحفوري في توليد الكهرباء. فلدى كاتب هذه السطور شك كبير حول ما ذكره د. أسامة الصايغ من معهد الأبحاث في لقائه مع القبس بتاريخ 2012/10/11 من إمكانية إنتاج 7700 ميغاوات يوميا من مشاريع في الطاقة الشمسية. ويرجع شكِّي إلى مقارنة هذه الخطة، بالخطة السعودية، التي سوف تنتج 7000 ميغاوات إلى عام 2030، ولكن من طاقات بديلة تشمل الطاقة الذرية إضافة إلى الطاقة الشمسية والمولدة من طواحين الهواء. فمن غير الممكن أن تنتج الكويت من الطاقة الشمسية، ما يزيد على إنتاج السعودية من أكثر من مصدر من الطاقات البديلة، وهي التي سبقتنا في هذا المجال ولديها إمكانات أكبر. وعندما نتحدث عن الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة علينا أن نتذكر أن ثلث أيام السنة في الكويت يكون الجو مغبرا، وأن الكيلووات الواحد المولد من الطاقة الشمسية يكلف ما يزيد على خمسين فلسا. لذا فإن ما ذكره كبير المهندسين في وزارة الكهرباء نجيب السعد في لقائه مع «الجريدة» بتاريخ 2012/10/13 من أن مواطنا أصبح يغذي الشبكة الكهربائية بالطاقة من ألواح كهروضوئية تولد الطاقة من الشمس لا يعدو أن يكون هواية تستمر ساعات قليلة، ولا يمكن أن يكون بديلا ولا حتى رديفا للطاقة المستمدة من شبكة الدولة، وذلك للفارق الكبير في التكلفة بين الخمسين فلسا للطاقة المستمدة من الشمس والفلسين المستمدة من الحكومة. هذا، ومع شكوى المهندس السعد من صعوبة بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء لعدم توافر مساحات ساحلية، إلا أنه لم يتطرق إلى ضرورة صحوة المواطن والحكومة والدفع بمراجعة أسعار الكهرباء لوقف هذا النزيف في الطاقة.
لا نريد أن نذهب بعيدا إلى ألمانيا، حيث يكلف الكيلووات الواحد حوالي سبعين فلسا، ولكن الجار القريب (السعودية) حيث معدل دخل الفرد فيها يقل كثيرا عن دخل الفرد في الكويت، وأسعار الكهرباء فيها تبلغ أربعة فلوس، أي ضعف سعرها في الكويت. لكن السعودية طبقت تسعيرة وفقا لشرائح تتزايد إلى أن تبلغ الشرائح العليا أكثر من عشرين فلسا. وزادت على ذلك بان طبقت على المصانع تسعيرة متغيرة، بحيث تزيد في ساعات الذروة، ويدرس تطبيقها حاليا على المنازل. والتسعيرة المتزايدة في أسعار الكهرباء في السعودية ولدت وعيا وتدبيرا في استهلاك الطاقة. كما أنها ولدت فرصا للاستثمار في مصادر الطاقة البديلة.
إن خطط الكويت في مضاعفة إنتاج الطاقة الكهربائية ببناء محطات توليد جديدة خلال عشر سنوات تعتبر تهديداً للبيئة وإمعاناً في الإسراف وتضحيةً بمستقبل الأجيال القادمة، وحقهم في الاستفادة من الثروة النفطية. لا شك أن لدينا المال لبناء هذه المحطات، لكن الاستسلام لنمط التبذير سيؤدي الى كوارث مستقبلية.
د. حامد الحمود
Hamed.alajlan@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق