علاقتي بالاستاذ ايوب حسين زميلاً وصديقاً تعود الى نحو الخمسين عاماً، هذا بخلاف الفترة التي سبقتها من علاقة التلميذ بالاستاذ، وخلال علاقة الخمسين عاماً او نحو ذلك عرفت عنه الشيء الكثير مالم يعرف عنه حتى اقرب المقربين اليه فما جمعني به هو وحدة الكيمياء ووحدة المزاج والذوق وانا هنا لا ازعم انني الوحيد الذي زامله وصادقه وانما هناك لا ريب الكثيرون الكثيرون الذين صادقوه ورافقوه وزاملوه وجالسوه وتسامروا معه خصوصاً ان شبكة علاقاته وصداقاته متعددة وعريضة بدءاً من الاسرة الكبيرة (القناعات) مروراً بزملائه في جمعية المعلمين وجمعية الفنانين التشكيليين وغير ذلك من محبي وعارفي ايوب حسين.
كثيرون مثلاً عرفوا ايوب حسين فناناً تشكيلياً انطباعياً يرسم البيئة الكويتية، لذلك وصفته «انا» في احدى كتاباتي في الستينيات من القرن الماضي بـ «تاريخ الكويت المصور» وحقاً هو وصف ينطبق عليه حيث ان لوحاته الفنية تنقل الواقع الكويتي القديم من البيت الى السكة فالفريج فالمطوع والبر وصيد الطيور.. الخ.
وفي الحقيقة كانت ريشة ايوب مسلطة على نفسه لكنها معبرة عن البيئة الكويتية، بل عن الكويت.
كان شغوفاً بالبيئة المحلية لكنه لم يتوغل في البحر ابعد من اليال (الجال) والنفقعة والفرضة فلم يركب البحر لا بحاراً ولا غواصاً تباباً، لم يتوغل في الصحراء وحياة البداوة فلم يسكن الصحراء الا في مواسم الربيع وطلعات البر فهو ابن المدينة وابن الفريج.
يكتب عنه الاستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم في مقدمة ديوانه الشعري الجديد والذي هو موضوع مقالنا هذا قائلاً «الاستاذ ايوب حسين الايوب فنان بكل ما تعنيه الكلمة من معنى اهدى الكويت مجموعة قيمة من الاعمال الفنية التي وثقت صورة الحياة القديمة في وطننا العزيز، واصبحت مصدراً لا غنى عنه للباحثين في مجالات التراث الشعبي ومأثوراته المختلفة المرتبطة بالمهن والألعاب الشعبية والمعالم العمرانية وغير ذلك»، ثم يجلي الاستاذ الدكتور الغنيم جانباً آخر من شخصية ايوب حسين عندما يكتب عن ديوان شعره في القول: «فقد وثق عن طريق النظم باللغتين الفصحى والعامية الكثير من الاحداث والموضوعات التي مرت به في حياته عرضها في صورة خواطر متنوعة ممتدة من زمن الطفولة الى وقته الراهن» (انتهى النقل) وانا هنا اضيف الى قول الاستاذ الغنيم ان يوب حسين لم يكن رساماً ينقل برشيته ما انطبعت في ذهنه من الصور الحياتية اليومية وانما كان بحق يمكن ان نطلق عليه مصلح الفنان الشامل، اديب وكاتب مسرحي وممثل ومصور ومخرج سينمائي وصانع الرسوم الكرتونية المتحركة وصانع مجسمات ونماذج تراثية، واخيراً شاعراً وصاحب قصيد لايبارى في العامية والفصحى ولعلنا سنبحر كثيراً اذا غصنا في حياة أيوب حسين وقد نتوه دون ان نصل الى مرساة، وحسبنا هنا ان نكتب عن واحد من الفنون العديدة التي اجادها وكان فارسا فيها وهو فن القصيد وتقريض الشعر بالفصحى والعامي وكتابة الالغاز الشعرية ومن الغريب حقيقة ان الشعر لديه ينبع بالفطرة ومن القلب وخير الشعر واصدقه ما جاء بالفطرة، فهو يعترف انه لا يعرف الاوزان الشعرية ولكنه يضبط القافية من خلال النقر على طاولة او التصفيق حيث يكتب في مقدمة كتابه الشعري الجديد الصادر عن مركز البحوث والدراسات وعنوانه (خواطر شعرية بين الفصحى والعامية) «.. وقد تعودت منذ البداية بان اجعل اوزان ابياتي تتماشى مع نمط من الالحان التي اعرفها او مع بعض الايقاعات المتناغمة والمعدودة التي اقرعها بيدي على اي شيء او بالتصفيق الخفيف». ينقسم الكتاب الى ثلاثة اجزاء بعد التصدير والمقدمة، الجزء الاول يحتوي القصائد والاشعار الفصحى وعددها (29) قصيدة بمختلف المواضيع والجزء الثاني القصائد العامية وعددها (32) قصيدة ثم الجزء الاخير وهي الالغاز الشعرية (عامية) وعددها (27) لغزا، من قصائده الفصحى قصيدة بعنوان «موطن الحب» وهي قصيدة وطنية خفيفة وجزلة ويمكن ان تغنى حيث يقول:
يا موطن الحب طابت لياليكا
بالروح والقلب إنا نفدِّيكا
من منهل العذب تجري مساعيكا
في الشرق والغرب والرب يُبقيكا
وأما قصيدة شقي العراق وهي التي نظمها ابان الغزو العراقي الغاشم للكويت، وكان لاجئا في امارة ام القوين بدولة الامارات العربية المتحدة حيث يقول:
شقي العراق عميل اليهود وطبع الذئاب عدالة الاسود
ويا نقمة في جبين الزمان وعارا ترى اين منك اليهود
ثم يختمها بالبيتين التاليين:
كويت الاصالة لا تحزني فلا بد انا قريبا نعود
نعود وتحيا حكومتنا بظل الامير وخفق البنود
وفي قصيدة (سدة الحكم هنيئا) والتي نظمها بمناسبة تولي صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح الحكم في 2006/2/6.
سدة الحكم هنيئا بصباح ضاء كالبدر الذي في الافق لاح
بدد الظلمة عنا جانبا وغدا فينا اميرا بارتياح
ويختمها بالبيتين الاخيرين:
ربنا هيئ له في حكمه كلما يدعو لما فيه الصلاح
واحمه يا ربنا والطف به واهده مسلك رشد وفلاح
وفي رثاء رفيقة دربه وحليلته (أم حسين) التي انتلقت الى بارئها في 2012/6/18، حيث كتب (في رثاء زوجتي):
أخا الحزن مهلا واكتم والسِّرا ولا تشدد على من تبلغ الامرا
أتخبرنا بأمر كاد يصرعنا ويبعث في النفس الكآبة والذعرا
ثم يختمها ببيت مؤثر في نفسه حيث يقول:
عزائي لنفسي ثم اهلي واهلها ويسكنها الفردوس في جنة خضرا
الشعر العامي
والآن دعونا نبحر في قصائده واشعاره العامة وهي القصائد التي نظمها باللهجة العامية الكويتية التي تختلف عن الشعر النبطي حيث ان ثمة اختلافا بين الشعر العامي الذي يعتمد على اللهجة الكويتية الدارجة وهي ممزوجة ما بين العامية والفصحى فيما الشعر النبطي يعتمد على مفردات بدوية موغلة في البداوة والقدم، وهنا نقرأ القصيدة الاولى من نظمه العامي وهي قصيدة شكوني (يا عالم) يقول:
يا عالم انا مليت من مصروفات هذا البيت
الراتب كله طاير ومحد يقول زين سويت
ثم يختمها بالبيتين الاخيرين:
الله يرحم ذيج الايام عيشتنا فيها تمام
ناكل ونشرب وأنام ما نعرف ديره غير الكويت
ومن قصائده العامية الاجتماعية النقدية نقرأ (ياربع شوفوا لكم جاره).
ياربع شوفوا لكم چاره من سفركم والدواره
السفر صاير عياره عندكم مثل الشطاره
ياربع موزين عليكم طارت الخردة من ايديكم
هذي ديرتكم تبيكم ياربع شوفو لكم چاره
وعن البحر وما يلاقي من التعب والبعد عن الاهل والوطن فيقول:
انا البحار انا البحار ادش الغوص والاسفار
ادور الدنيا بشراعي واعرض نفسي للاخطار
يازينها ساعة الكفال وغيابنا في السفينة طال
نشوف الاهل ترس اليال يطكون الطبل والطار
الألغاز الشعرية
اما الالغاز الشعرية وهي ايضا باللهجة الكويتية المبسطة فعددها (27) لغزا وكلها تتحدث عن الاشياء المحلية.
مثل ابوطبيلة وهو المسحراتي في شهر رمضان الفضيل الذي يوقظ النائمين لتناول الصحور، والغاز اخرى عن المقص والعمارية والكاروكة (المهد).. الخ وهنا نأخذ لغزا واحدا وهو المعني عن (الباكدير):
يرتفع من فوق لسطوح والهوا بداخله يروح
ينزل بدارك يدغدغ النومه تحته ترد الدوح
يا حلو جوه وبراده ماكو احسن وين تروح
لي خلص كيظك تذهب سد الفتحة بكطعة لوح
لقد تعددت مواهب وفنون ايوب حسين وتعددت افكاره ومجال اعماله وانتاجه فهو جملة فنانين في فنان واحد، وان كان هو فنان لقب فنان فذلك يعود لطبعه المتواضع والبساطة والثقة، وما ذلك من اطباع الفنان الاصيل الذي لا يدعي التصنع والاتكاء على الآخرين وما اكثر هؤلاء المدعين والمتصنعين.
ان ديوان (خواطر شعرية بين الفصحى والعامية) ثمرة من ثمار هذا الفنان الاديب والكاتب والمسرحي والتراثي ثمرة من ثمار جهد مواطن كويتي بسيط يرى في نفسه انه قادر على العطاء حتى وهو على فراش المرض ومشاكل الشيخوخة، فدامت صحتك يا بوحسين ودام عطاؤك.
حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق