لا أحد يستطيع ان يتنكر للعلاقة التاريخية والمصيرية التي تربط بين بريطانيا العظمى والكويت منذ ما قبل القرن الماضي فهي حماية ورعاية بأولوية خاصة حافظت على خصوصية الكويت بكيانها واستقلالها عن الاقليم العثماني آنذاك.
كما ليس لأحد تحت سماء الكويت المحررة في 26 فبراير 1991 ان يزوّر الدور البريطاني العظيم والشجاع والمبادر والذي تزعمته بارادتها الحرة رئيسة وزراء بريطانيا «تاتشر» وهي تقتحم البيت البيضاوي على جورج بوش الاب وتعلن علينا اخراج الغزاة العراقيين من دولة الكويت واعادة الوضع الى ما كان عليه وخاطبت الطاغوت صدام كيف لرئيس دولة ان يختبأ خلف تنانير النساء وبراءة الاطفال اثناء الدروع البشرية؟!
يا سعادة سفير بريطانيا الصديقة في الكويت السيد فرانك بيكر، لقد قرأت مقالتك المنشورة بجريدة «القبس» عن الاوضاع في الكويت وجاء فيها كلامك عن المشاهدات التي حدثت عند ابراج الكويت التاريخية ولي عليها هذا الرد:
(1) قلت ان الحرية من صميم نسيج المجتمع الكويتي وكذلك الحرية والديموقراطية للشعب الكويتي.. ونحن نتفق معاك يا سعادة السفير بأن الحرية والديموقراطية هما الرئتان اللتان يتنفس بهما الكويتيون حكاما ومحكومين منذ صياغة دستور عبدالله السالم 1963 في ربيعها العربي والذي سبق ربيع الالفية الثالثة حيث كان عبدالله السالم حاكم الكويت يبعدنا عن جمهورية الخوف.
(2) كما انني اشكرك على حياديتك وأسفك على استبدال مثل هذه الايجابيات بالعنف بعد تبادل الاتهامات التي سمعتها مع تناثر سحب الغاز المسيل للدموع فوق الخليج وذلك بعد ان وصلت كل قناعة بين الحكومة والمعارضة بأنها على حق دستوري.. الا انني يا سعادة السفير احب ان اوضح لك وانا «رجل قانون» وكنت في مركب الاغلبية لاسقاط مجلس 2009 من القبيضة والحكومة ايضا التي ظلت في راحة واستجمام الى امد بعيد! بل حرقنا انفسنا واعصابنا لوصول الاغلبية الى كراسي بيت الامة من اجل اعادة تصحيح مسار الكويت واعادة تنميتها ومحاربة الفساد وسن القوانين ذات الاولوية الاقتصادية والسياسية ولكننا ومع الاسف فوجئنا بانها اغلبية مجلس طالبان تسن قوانين الاعدام مع ان العقوبة لا تتناسب مع الفعل وتنادي بهدم الكنائس رغم ان الدستور ينادي بحرية الاعتقاد وفق المادة 35 من الدستور وتسن القوانين بلا أي جدوى اقتصادية كالمدينة الطبية 100 مليون ومستشفى جابر 300 مليون؟!! تنادي بإلغاء «محطة الزور» للكهرباء والتي سوف تحمي الكويت في طاقتها الكهربائية لغاية 2014 وتضاعف انتاجها %10 من الانتاج الحالي وهي قامت على المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة والشفافية بنظام B.O.T من خلال الشريك الاجنبي الاستراتيجي وهي تجربة اشاد بها اغلب السفراء الاجانب كنموذج مشجع للمستثمر الاجنبي! اما برامجهم الانتخابية فلقد «ذهبت مع الريح» فلا قانون مكافحة الفساد ولا ذمة مالية رغم حاجة البلاد لهما، أما سياسيا فالاغلبية لمجلس 2012 ذات فكر اقصائي للرأي الآخر وهي انقلابية على النظام الدستوري باستفرادها بارادتها المنفردة في تعديل الدستور دون حوار وطني ولا توافق بين السلطتين لا هدوء سياسياً رغم ان الدساتير عادة هي «تساس فيها الامم»!! بل همها اصدار قوانين مطابقة للشريعة مثلما تقدمت بتعديل على الدستور لنص المادة 79 «لا يصدر أي قانون في الكويت الا موافقا للشريعة الاسلامية» فهي حولتنا دولة مدنية الى دينية؟!!
(3) نعم يا سعادة السفير احيي فيك وانت تعلن لكلا الطرفين وبان أي اولويات فانها ضرر على الكويت بعد ان يتم التصارع على النفوذ وطبيعته حسب معنى الدستور ولم يصل احد الى حد ولكن الحقيقة الاكثر تاريخيا وصدقا هي بانني اتفق معاك بان «بريطانيا» قد استغرقت اكثر من «350» سنة للوصول الى الاستقرار السياسي، ونحن يا سعادة السفير في الكويت لم تتشكل دولتنا الحديثة الا بعد دستور عبدالله السالم 1963 وتم تعطيل الحياة الديموقراطية لمرات عديدة تارة سببها تفرد السلطة وتارة لتعسف المعارضة في استخدام حقوقها الدستورية؟! فكلاهما متورط.
ولكن الحقيقة اليوم هي كالشمس في رابعة النهار بالنسبة لأغلبية مجلس 2012 بانها هي تريد «التصادم» مع السلطة من اجل اسقاط النظام واقامة اول ربيع عربي خليجي بقيادة «الاخوان» فرع الكويت بتوجيه من اخوان مصر والوسيلة هي الاستقواء بالشارع بدلا عن دولة المشروعية وسيادة القانون والحجة هي نص المادة 71 من الدستور ومراسيم الضرورة التي يصدرها الامير ليجعل آلية التصويت صوتا واحدا بدلا من 4 اصوات، والا لماذا نفس وجوه هذه المعارضة قد قبلت شاركت بمرسوم ضرورة لمجلس 81 بعد ان تحولت الدوائر من 10 الى 25 دائرة وبصوتين فقط؟!
(4) نعم يا سعادة السفير نتفق معاك بان «التسوية» هي الفكرة الاكثر تنويرا وذلك اذا كانت نوايا الاغلبية الاقصائية هدفها رفعة الوطن وتحقيق المصلحة المشتركة بين السلطتين وللبلد الا ان هم الاغلبية هو تحقيق تملك الكرسي البرلماني حتى لو جاء من خلال التصادم واسقاط السلطة وهذا ما عرفه اغلب الكويتيين اليوم واخذوا يحذرون من ان وراء هذه المسيرات المسماة بالسلمية والمخالفة للقوانين والتي هي بلا رأي او ترخيص واجراءات يتطلبها القانون لحماية ارواح الناس والمنشآت حتى لا تخالف الآداب العامة وتكون سلمية هم الاخوان المستترون حتى ساعة الصفر فيقطفون ثمار كل شيء بعد تجربة مصر من ثورة «الفيس بوك» و«غنيم» الى الاخوان لهم رئيس جمهورية ورئيس وزراء ومجلس الشعب؟! نعم ان القرار سيكون في الكويت بعد فوضى مسيراتها «قرار اخونجي اممي» وليس قرارا محليا بخصوصيته الكويتية! نعم يا سعادة السفير نتفق معاك بان الحكومة اليوم قد بادرت في اصدار عدة تشريعات اصلاحية منها:
(1) قانون الوحدة الوطنية للمحافظة على النسيج الاجتماعي. (2) قانون تحويل الخطوط الكويتية الى شركة مساهمة عامة من اجل حماية ارواح الناس. (3) قانون اللجنة الوطنية للحفاظ على استقلالية الانتخابات. (4) جدية الحكومة في تحقيق تقدم ملموس في ملف ما يسمى بقضية «البدون» من اجل رفع رصيد الكويت في المحافل الدولية وخصوصا ان الحكومة قد منحت هذه الفئة (19) ميزة انسانية.
وفي الختام يا سعادة سفير المملكة المتحدة الصديقة والتي مكانتها محفورة في قلوبنا نحن جيل الغزو من 8/2 حتى التحرير 26 فبراير نقول بانه لا يخفى عليك ما قاله رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون وهو يرد على البرلمان في احداث شغب لندن (عندما تصل الامور للأمن القومي لا تسألني عن حقوق الانسان) وهذا ما نشر في مواقع التواصل الالكتروني ونحن في الكويت عندما خرجت علينا «مسيرة وطن» وهي في حقيقتها «مسيرة كراسي» ودون اخذ ترخيص وفقا للمرسوم رقم 65 لسنة 1979 والخاص بالاجتماعات العامة والتجمعات وخصوصا ان قانون التجمعات مازال قائما لم تمسه احكام المحكمة الدستورية، واذا كان الاخوان في تنظيمهم العالمي يريدون الانقضاض على الامن الاجتماعي في الكويت وتغليب الغوغائية على المشروعية مع الدعوة الى الجاهلية (عد رجالك) وعندما تعطل حركة السير والمصالح التجارية وسيارات الاسعاف وخصوصا انه لا يوجد مصطلح (اعتقال) في القانون الكويتي الا في حالة التعبئة العامة وقطع العلاقات وهي ليست موجودة في حالة التجمعات وبعد تجربة النموذج المصري الاخونجي في الانقلاب على دولة المشروعية من خلال تفعيل كتاب جين شارب المعنون «من الدكتاتورية الى الديموقراطية» نجزم بأن دولة المشروعية والمؤسسات تدخل من الباب والغوغائية والزعم بالمساس بحقوق الانسان تخرج من الشباك.
وليد بوربّاع
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق