من حق سمو الأمير أن يتخذ ما يراه ضمن سلطاته الدستورية لحماية البلد، وهو مؤتمن على ذلك شرعا ودستورا، ومن حق الشعب أن يتصدى لأي خروج على الدستور، وأن يطالب باصلاحات سياسية طامحا لمستقبل أفضل.
اذن أين تكمن المشكلة؟ ولماذا وصلنا الى ما نحن فيه؟ وهل في الأفق ما يخرج البلد من أزمته؟ وما نقطة البداية؟
1ــ بداية من حق الناس – وهم يتابعون بقلق وحسرة واستغراب مما يجري في الساحة السياسية اليوم- أن تحيط بالحقائق المتقابلة التالية بكل وضوح وشفافية وصراحة مؤلمة:
أ- عاشت البلاد اخفاقات حكومية مرعبة بسبب هشاشة قدرات اغلب أعضائها، وهو ما انعكس بعجزها الذاتي، وحاجتها المستمرة للاسناد من النظام سواء بنسبة تصرفاتها اليه «بتوجيهات، أو رغبات، اوامر»، فاختلط الأمر، لدرجة ان صار النظام هو الحكومة والحكومة هي النظام، وهو وضع يتنافى مع الدستور. وباختصار، فإن الحكومة لم ولا تملك برنامجا ولا سياسات اصلاحية وتنموية، وليس لديها القدرة باقناع الناس بذلك حتى ولو بخطابها السياسي.
ب – هناك شعور متعاظم لدى الناس بعدم الثقة بالحكومة في عدالة تطبيق القانون، وعدم مصداقيتها في الاصلاح السياسي، وشواهد ذلك كثيرة مع غياب ما يعزز عكس ذلك بها.
ج- لا يستطيع الناس أن يقرأوا تعديل نظام التصويت بمعزل عما سبق، ولذا فهم يرون أن التعديل يمكن ان يفسر انه لاضعاف فرص نجاح المعارضة، ولا يمنح خيارا حقيقيا لمجلس منتخب على أساسه، يتمكن من خلاله من الغائه او تعديله من دون انهاء وجوده، كما أن القبول بتعديل النظام الانتخابي بمرسوم بقانون، يفتح الباب للتكرار كلما رغبت السلطة التنفيذية في ذلك، وهذا سبب موضوعي للتمسك بأن التعديل هو قابل للنقاش، وهذه حقيقة لو أدركتها السلطة نكون قد اقتربنا من المخرج.
2ــ وهذا لا يكفي، ففي الجانب الآخر هناك أعضاء انحرفوا في العمل البرلماني في جانبيه التشريعي والرقابي، فخرجوا عن أحكام الدستور بدلا من حمايته، وأضاعوا حقوق الناس بحثا عن أمجاد وهمية غايتها الظفر بالمقعد البرلماني ووجاهته، وطوال سنوات عضويتهم لعدد من الفصول التشريعية، وعلى الرغم من ذلك فان البلد لم يتقدم ولم ينهض بمشاريعه، ولم يقبض على فاسد حقيقي، ولم يجتث الفساد، بل زاد واستشرى وتعمق، رغم الكم الهائل من التشريعات، ورغم العدد الكبير للاستجوابات، وهو ما يعني أن علة البلد مصدرها المجلس مثل الحكومة، ولا تقف عند نظام انتخابي رغم أهميته، ولا تعديلات دستورية رغم الحاحها، ولا عند هيمنة أغلبية على المجلس رغم حيويتها، بل ورغم تحقق هذه الأغلبية أعوام 1975، و1985 ، و1992، و1996، و2006 وأخيرا 2012.
أ- المعارضة – مثل الحكومة – تعيش على ردة الفعل، ولا تملك صنع الفعل لغياب أي رؤية سياسية أو حتى أولويات اصلاحية، اذ كل ما تملكه عملها بنمط جماعات الضغط في تبني أولوية آنية لموضوع معين بجدول أعمال مجلس الأمة أو حذف أو تأخير بند آخر، ووسيلتها الوحيدة في ذلك هو فرضه على الحكومة من خلال التعسف باستخدام وسائل الرقابة السياسية أو التهويش بها، وهو مسلك لا يحقق مشروعا ولا يحل ملفا ولا يثمر تنمية.
ب- وقد اخترق العمل البرلماني للأسباب السابقة، وصار رهين منطلقات الصراع مع السلطة والحكومة، باصطفافه المتناقض بين أقطاب التجاذب، والصراع داخل الأسرة الحاكمة فتحولت المقاعد النيابية الى «حجر شطرنج»، أو «حطب دامة» يتم تحريك عدد كبير من أعضائه من قبل أطراف خارج المجلس لمصالح خاصة آخر غاياتها مصلحة الوطن.
ج- تفاقم اشكالية شرذمة البلد وتفتيته، وتزايد حالات الاستقطاب الفئوي والقبلي والطائفي والمناطقي والعنصري، حتى صار سلوكا شائنا للتأجيج والتحريض من أجل الكسب الانتخابي بكل أسف.
3ــ إن المشهد السياسي العام بعد صدور المرسوم بقانون بتعديل التصويت، وبعد المسيرة التي خرجت فيها أعداد ضخمة من الناس، لا بد من أن تكون هناك وقفة مراجعة للوضع، ومن ضمنها ضرورة عدم التعامل الأمني مع المسيرة والتجمع القادمين مطلقا، بقدر تنظيمهما ومراقبتهما، البحث عن المخرج المناسب في اطار الدستور وباسلوب توافقي وبمبادرات ايجابية، ولا مصلحة للوطن في المواقف التي توصل البلد إلى طريق مسدود، ولا ينبغي أن نقطع شعرة معاوية.
أ. د. محمد عبدالمحسن المقاطع
dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق