ثلاث محطات رئيسة شهدها الحراك السياسي في بلادنا جديرة بتغيير خريطة الأحداث ونقلها إلى مرحلة جديدة، قد تُفرز في المستقبل القريب تداعيات سياسية جديدة لها أثر خطير على السياق التقليدي للخصومة بين المعارضة والنظام السياسي الكويتي. المحطة الأولى في الندوات الثلاث التي رفع فيها بعض رموز المعارضة سقف المطالب والاحتجاج إلى استهداف مباشر ومُمَنهج لشخص سمو الأمير، وبأسلوب ينقصه الكثير من الذوق والأخلاق، والثانية في كلمة سمو الأمير التي أعلن فيها عن تغيير قانون الانتخاب بمرسوم ضرورة، والثالثة في قرار المعارضة السياسية التصعيد والنزول إلى الشارع في سلسلة مسيرات تم قمع حلقتها الأولى.
تلك المحطات الثلاث خلقت اصطفافاً جديداً لا يمكن التعاطي معه ضمن التجاذبات السابقة، كونها تمثل مرحلة جديدة سقطت معها بعض الاعتبارات السابقة وأصبح التجاسر على مقام سمو الأمير محورها الأساس مما يجعلنا نتعاطى معها بذوق آخر تماماً، ولا أبالغ إن ذهبت إلى أن الأمر قد يجتاز حد المرونة إلى القطيعة شبه الكاملة بين الطرفين. وهنا مكمن المشكلة وبيت القصيد، إذ يسعى البعض المتطرف في المعارضة جاهداً إلى تصوير خطوات سمو الأمير الدستورية التي وضحها في خطابه على أنها بمنزلة إعلان مواجهة ضد المعارضة، في وقت أحسب أنها جاءت لتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح من خلال تعزيز دور الشرعية الدستورية وإعادة الاعتبار لهيبة الحكم، وكلا الأمرين يمثل الركيزة الأساسية التي تقوم عليها السيادة الوطنية.
لذا لابد أن تعي المعارضة اليوم في تعاطيها اللاأخلاقي واللاذوقي مع مقام مسند الإمارة أنها باتت تلعب بالنار، وأن من يشعلها سيكون أول من يحترق بها، وأن الأغلبية الصامتة من الشعب الكويتي وإن كانت تعاني مرارة الأداء السيئ لمعظم الحكومات المتعاقبة طيلة العقود الماضية، إلا أنها لا يمكن إلا أن تكون مع الشرعية الدستورية التي أعطت أسرة آل الصباح مسند الإمارة وقنّنت المشاركة الشعبية في الحكم من خلال تمثيلها في سلطات الحكم.
لذا نتساءل: كيف للمعارضة أن تطالب بسيادة الأمة وتنفيذ إرادتها كضامن لسيادة القانون وتحقيق العدل والمساواة في المجتمع، وهي اليوم تمثل أهم معاول هدم السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي وركائز السيادة الوطنية؟! كيف لها أن تمارس معارضة مثمرة منتجة وهي تفتقد الأخلاق في تعاطيها مع القضايا المختلفة؟! كيف يمكن لها أن تتحدث عن حركة مطلبية تطور فيها مؤسستنا الدستورية وهي تمارس لغة الإقصاء والإلغاء والتحقير لكل من يخالفها؟! إنها أزمة أخلاق وبامتياز طالت هيبة الحكم مما جعل الكثير من أبناء الكويت يقولون «نار» الحكم ولا «جنة» المعارضة.
المصدر جريدة الكويتية
قم بكتابة اول تعليق