بفتح باب الترشح لانتخابات الفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الأمة أمس تكون تحركات المعارضة الداعية إلى إسقاط مرسوم تعديل عدد الأصوات باءت بالفشل بعد فتح باب الترشح، وأصبحت واقعا ملموساً.
قوى المعارضة الجديدة قدرها أن ترتكب أخطاء استراتيجية تضعف قضيتها وتحوّل اهتمام الناس عنها، ولعل قرارها مقاطعة الانتخابات قبل صدور المرسوم رسمياً من ضمن باقة هذه الأخطاء.
المعارضة اليوم أمام خيارين للتعامل مع هذا الوضع الجديد، هذا طبعاً إن كانت جادة في إسقاط مرسوم تعديل الأصوات:
الأول أن تشارك في الانتخابات وتسقط المرسوم عبر ممثليها في البرلمان الجديد خلال مناقشته كما حدث مع أغلب المراسيم التي صدرت أثناء فترة تعطل البرلمان، وبذات الطريقة التي سوغ بها بعض أطرافها خلال خوضهم الانتخابات عام 1981 عندما شاركوا في الانتخابات ثم سجلوا مواقفهم بالمجلس مع المرسوم أو ضده، والذي قضى بتعديل النظام الانتخابي بالكامل من عشر دوائر يملك فيها كل ناخب خمسة أصوات إلى 25 دائرة يملك فيها كل ناخب صوتين، والذي استمر بعد ذلك لمدة 25 عاماً حتى تعديله عام 2006.
أما الخيار الثاني للمعارضة لإسقاط المرسوم عبر الطعن فيه عن طريق المحكمة الدستورية، وفي هذه الحالة يجب أن يكون مقدم الطعن إما من فاز بعضوية المجلس السابق، وإما من خلال مرشح يخوض الانتخابات الحالية، ثم يطعن فيها تماما مثلما حدث مع طعن المرشحة صفاء الهاشم الذي أخذت به المحكمة الدستورية وأبطلت مجلس 2012 بناء على طعنها بمرسوم حل مجلس 2009 نظراً لأن من رفعه إلى سمو الأمير كان لا يملك تلك الصفة.
أما إذا لم تقم المعارضة بأحد هذين الخيارين فهي حتما مستفيدة من الوضع القائم ولا تريد تغييره، لأنها في حال طعنت وفقاً لهذه الآلية وتم قبول طعنها من المحكمة الدستورية، وألغت مرسوم التعديل على عدد الأصوات تكون هي المستفيدة، وإذا رفضت المحكمة الدستورية الطعن وحصنت المرسوم نكون أمام مرسوم دستوري لا يمكن الاعتراض عليه.
وعلى جانب آخر من هذا الموضوع، وهو دعوة المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة، فهي دعوة سياسية لن تغير من الواقع شيئاً، فمشاركة حتى نصف في المئة من إجمالي الناخبين (حوالي 2100 ناخب وناخبة بكل الدوائر) لن تغير أي شيء، وبالتالي فإن المجلس المقبل شرعي ودستوري وقراراته وقوانينه ملزمة، مثله مثل مجلس 1981 الذي شارك فيه 90 في المئة من الناخبين، وشارك فيه عدد من رموز المعارضة انتخاباً وترشحاً.
وبعيداً قليلا عن ذلك، وبحكم المتابعة فإن السؤال الذي يتبادر هو “اشفيهم ربع المنبر؟”، وهو السؤال الذي أتلقاه عادة ممن يبحث عن إجابات منطقية في وضع غير منطقي، ومرد السؤال انضمام المنبر الديمقراطي إلى معسكر المعارضة، ولغير المتابعين لتفاصيل البيت الليبرالي من الداخل يكون توضيح الأمر غير هين، خاصة أن المنبر لم يدع منذ تأسيسه عام 1992 إلى مقاطعة الانتخابات، وسبق لرموزه ممن توفاه الله وممن لا يزال على قيد الحياة المشاركة في كل انتخابات مرت عليه منذ بداية العهد الدستوري.
وللتوضيح فإن الملاحظة الأولى للمتسائل لا تدور حول قرار مقاطعة الانتخابات من عدمها، بقدر ما هي تساؤل مشروع عن سبب وقوف المنبر الديمقراطي مع قوى المعارضة الجديدة بتركيبتها الجديدة التي تضم طيفاً يغلب عليه لون الإخوان المسلمين، وهو ما برره الزميل حسن العيسى في مقاله “الإخوان فوبيا” الثلاثاء أمس الأول بجريدة “الجريدة”، والذي تطرق فيه لتقرير كتبته شخصيا لمجلة “المجلة” نشر على موقعها الإلكتروني الأحد الماضي.
وللتذكير، فإن قيادات المنبر اليوم تدعم وتقف بجانب نفس الأطراف التي كانت تتباكى منها في فبراير الماضي حينما باعت كرسي رئاسة مجلس الأمة بصفقة تعديل المادة الثانية من الدستور، فإذا كان “ربع المنبر” مدركين عواقب قرارهم في الانضمام إلى معسكر المعارضة وإعطائهم الشرعية السياسية فعليهم تحمل مسؤولياتهم، وبالتالي نترك الحكم لمن يريد الحكم.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق