حسن الموسوي: قبل المشاركة بالمسيرة… اسأل نفسك

مثال سبق أن طرحناه من قبل ونعيده مرة أخرى “من باب الأمثلة تضرب ولا تقاس” لعل الذكرى تنفع المؤمنين، خاصة مع ضبابية الصورة لدى الكثيرين بحيث صاروا ينخدعون بالشعارات البراقة وخلط الحق بالباطل: عندما غزانا صدام، قال إن تحرير القدس يمر من الكويت، وضرب تل أبيب بالصواريخ لإثبات جديته. حينها تعاطفت بعض الجماهير العربية معه وانخدعت بهذا التحرك الذي كان يظهر الرحمة ويبطن العذاب، وكان موقفنا نحن الكويتيين هو استنكار هذا التعاطف وسقوط الجماهير بهذا الفخ.

هذا المثال يساق للتدليل على أهمية الوعي وعدم أخذ الأمور بظواهرها بل ببواطنها، فهذه حال السياسة، واليوم لا يزال الكثير من المخلصين مخدوعين بشعارات براقة مثل “كرامة وطن”، وبأن كل هذه البلبلة هي فقط من أجل تقليص الأصوات بطريقة دستورية سليمة من خلال المادة (71)، فلكل مخلص وطني غيور على وطنه وينوي استمرار المشاركة بهكذا مسيرات ومظاهرات نود أن نقول له: اسأل نفسك، هل يعقل أن كل هذا التطاول غير المسبوق على الذات الأميرية المصونة دستوريا وبطريقة وقحة وفجة هو فقط من أجل تقليص الأصوات، مع ملاحظة أن الدوائر لم تتغير والمجلس موجود لم يعلق؟ بينما لم نجد نصف هذا التحرك والتطاول عندما كان المجلس برمته معطلا؟!

واسأل نفسك: هل المتصدون لهذا التحرك ومدّعو حماية كرامة الوطن هم فعلا أناس مصلحون أم هم جزء أصيل من الفساد المنتشر بالبلد بسبب تدخلاتهم ووساطاتهم التي أدمنوها من أجل تنفيع المقربين على حساب المستحقين، مستخدمين أسلوب الصراخ والابتزاز؟ واسأل نفسك: ما هو مشروع هؤلاء؟ وهل يريدون إصلاحا فعليا وحماية للمال العام من التبذير أم بالعكس يريدون المزيد من التبذير وهدر المال العام على موظفين لا يعملون أصلا؟ واسأل نفسك: هل يريد متصدرو هذه التحركات دولة الدستور والقانون أم دولة الفوضى وشريعة الغاب وثقافة الاقتحام كما رأينا عبر ممارساتهم السابقة والحالية؟!

واسأل نفسك: هل يمكن فصل ما يجري في الكويت عما يجري إقليميا من صراع؟! ولماذا يدعم أحد التيارات الإسلامية هذه المظاهرات بكل قوة مع أنها أكثر تيار رضع من ثدي الحكومة واستفاد من التعيينات في المواقع الحساسة طيلة السنوات الماضية؟! وهل لذلك علاقة بالمد الجديد للتيار الديني في بعض الدول العربية؟ واسأل نفسك: من هو مهندس حركة المظاهرات والخطابات الأخيرة؟ ومن يقف خلفه؟ ولماذا يريد فتح جبهة جديدة ضد دولتين خليجيتين دون غيرهما مع أنه كان يعيب على رئيس الوزراء السابق سوء علاقته مع إحدى هاتين الدولتين؟! ألا يدل كل ذلك على أن ما في الفخ أكبر من العصفور؟

لا تقل لي بأنك تريد المشاركة فقط من أجل إبداء اعتراضك على تقليص الأصوات وبأنك لا توافق على أي إقصاء وتطرف أو أجندات أخرى، فقد سبق أن شارك الكثيرون بالمظاهرات ضد “القبيضة”، ولإسقاط حكومة الشيخ ناصر المحمد من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد، فماذا كانت النتيجة؟ هل نجحت قوى الإصلاح أم استقادت قوى الإقصاء والتطرف من ذلك الزخم الذي أعطي لهم بكل حسن نية، واستغلوه من أجل فرض أجندتهم التخريبية والتي رأيناها بكل وضوح في مجلس 2012 المبطل؟!

فكر أيها المخلص والمحب لبلده بهذه الأسئلة جيدا قبل المشاركة بأي مظاهرة أو مسيرة حتى لا تكتشف غدا بأنك كنت مجرد أداة لتحقيق أجندة خاصة وليس لحفظ كرامة وطن، وإن كان لك رأي فعبر عنه بمظاهرة أخرى أو اعتصام آخر بمكان آخر.

 

المصدر: جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.